قال الصفدي: ولم يزل مذهب الاعتزال يبدو شيئاً فشيئاً إلى أيام الرشيد وظهور بشر المريسي، وإظهار الشافعي مقيداً في الحديد، وسؤال بشر له قال: ما تقول يا قرشي في القرآن؟ فقال: إياي تعني؟ قال: نعم، قال: مخلوق وخلى عنه، وواقعته بين يدي الرشيد مشهورة فأحس الشافعي بالشر وأن الفتنة تشتد في إظهار القول بخلق القرآن فهرب من بغداد إلى مصر ولم يقل الرشيد بخلق القرآن، وكان الأمر بين أخذ وترك إلى أن ولي المأمون وبقي يقدم رجلاً ويؤخر أخرى في دعوة الناس إلى ذلك إلى أن قوي عزمه في السنة التي مات فيها، وطلب أحمد بن حنبل فأخبر في الطريق أنه توفي فبقي أحمد محبوساً في الرقة حتى بويع المعتصم، فأحضر إلى بغداد وعقد مجلس المناظرة، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق والقاضي أحمد بن أبي داود وغيرهما فناظروه ثلاثة أيام فأمر به فضرب بالسياط إلى أن أغمي عليه ثم حمل وصار إلى منزله ولم يقلق بخلق القرآن وكان مدة مكثه في السجن الثمانية وعشرون شهراً ولم يزل يحضر الجمعة بعد ذلك والجماعة، ويفتي ويحدث حتى مات المعتصم وولي الواثق، فأظهر ما أظهر من المحنة، وقال لأحمد بن حنبل: لا تجمعن إليك أحداً ولا تساكن بلداً أنا فيه فاختفى الإمام أحمد لا يخرج إلى صلاة ولا إلى غيرها حتى مات الواثق وولي المتوكل، فأحضره وأكرمه وأطلق له مالاً، فلم يقبله ففرقه وأجرى على أهله وولده في كل شهر أربعة آلاف ولم تزل عليهم جارية إلى أن مات المتوكل وفي أيام المتوكل ظهرت السنة، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة، وبسط أهلها، ونصرهم وتكلم في مجلسه بالسنة، ولم يزالوا أعني المعتزلة في قوة ونماء إلى أيام المتوكل، فخمدوا، ولم يكن في هذه الملة الإسلامية أكثر بدعة منهم.
[مشاهير المعتزلة]
ومن مشاهير المعتزلة الجاحظ وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام وواصل بن عطاء وأحمد بن حائط حابط وبشر بن المعتمر ومعمر بن عباد السلمي وأبو موسى عيسى الملقب بالمزداد، ويعرف براهب المعتزلة، وثمامة بن أشرس وهشام بن عمر الفوطي وأبو الحسن بن أبي عمر والخياط أستاذ الكعبي وأبو علي الجبائي أستاذ الشيخ أبي الحسن الأشعري أولاً وابنه أبو هاشم عبد السلام، هؤلاء هم رؤوس مذهب الاعتزال وغالب الشافعية أشاعرة، والغالب في الحنفية معتزلة؛ والغالب في المالكية قدرية، والغالب في الحنابلة الحشوية، ومن المعتزلة الصاحب بن عباد والزمخشري والفراء النحوي والسيرافي.