التقويم بيدي رجلين كل منهما في جهة والبعد بينهما بقدر طول الخيط وأنت تنظر في لسان الميزان فإن انطبق على المنجم فالأرض معتدلة، وإن مال فالمائل عنها هي العليا. وتعرف كمية الزيادة في العلو بأن تحط الخيط عن رأس الخشبة إلى أن تطابق المنجم واللسان، ومقدار ما نزل من الخيط هو الزيادة ثم تنقل إحدى رجلي الميزان إلى الجهة التي تريد وزنها وتثبت الأخرى إلى أن يتم العمل وتحفظ مقدار الصعود بخيط على حدة، وكذا مقدار الهبوط ثم يلقى القليل من الكثير فالباقي هو تفاوت المكانين في الإرتفاع، وإن تساويا شق نقل الماء وإن نزلت ما وقع إليها الثقل سهل ذلك، وإن علت امتنع. وهذه صورة الميزان وآلات الوزن وقد يستغنى عن الصفحة بالأنبوبة التي يصب فيها الماء من منتصفها، فإن قطر من طرفيها على السواء أنبأ عن التعادل وإلا عمل كما عرفت.
[هذه كتابة كتبها العارف الواصل الصمداني الشيخ محيي الدين ابن عربي]
حشره الله مع محبيه إلى الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وعلى وليي في الله فخر الدين محمد أعلى الله همته، وأفاض عليه بركاته ورحمته، وبعد، فإن الله يقول:" وتواصوا بالحق " وقد وقفت على بعض تؤاليفك وما أيدك الله به من القوة المتخيلة والفكرة الجيدة، ومتى تغدت النفس كسب يديها فإنها لا تجد حلاوة الجود والوهب، وتكون ممن أكل من تحته، والرجل من يأكل من فوقه كما قال الله تعالى:" ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وليعلم وليي وفقه الله تعالى: أن الوراثة الكاملة هي التي تكون في كل الوجوه لا من بعضها، والعلماء ورثة الأنبياء. فينبغي للعاقل العالم أن يجتهد لأن يكون وارثاً من كل الوجوه، ولا يكون ناقص الهمة، وقد علم وليي وفقه الله تعالى أن حسن الطبيعة الإنسانية بما تحمله من المعارف الإلهية وقبحها بضد ذلك. فينبغي للعالي الهمة أن لا يقطع عمره في معرفة المحدثات وتفاصيلها، فيفوته حظه من ربه وينبغي له أيضاً أن يشرح نفسه من سلطان فكره فإن الفكر يعلم مأخذه، والحق المطلوب ليس ذلك والعلم بالله غير العلم بوجود الله، فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه عن الفكر إذا أراد معرفة الله من حيث المشاهدة. وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون تلقيه عند هذا من عالم الخيال، وهي الأنوار المتجسدة الدالة على معان وراءها، فإن الخيال ينزل المعاني العقلية في القوالب الحسية كالعلم في صورة اللبن، والقرآن في صورة الحبل، والدين في صورة القبة. وينبغي