للعالي الهمة أن لا يكون معلمه مؤنثاً كما لا ينبغي أن يأخذ من فقير أصلاً، وكل ما لا كمال له إلا بغيره فهو فقير. وهذا حال كل ما سوى الله تعالى. فارفع الهمة في أن لا تأخذ علماً إلا من الله سبحانه على الكشف واليقين.
واعلم أن أهل الأفكار إذا بلغوا فيه الغاية القصوى أداهم فكرهم إلى حال المقلد المصمم، فإن الأمر أجل وأعظم من أن يقف فيه الفكر، فما دام الفكر موجوداً فمن المحال أن يطمئن العقل ويسكن، وللعقول حد تقف عنده من حيث قوتها في التصرف الفكري ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى، فإذن ينبغي للعاقل أن يتعرض لنفحات الجود ولا يبغي ماسوراً في تقييد نظره وكسبه، وإنه على شبهة في ذلك. ولقد أخبرني من ألفت به من إخوانك من له فيك نية حسنة. أنه رآك وقد بكيت يوماً فسألك هو ومن حضر عن بكاءك؟ فقلت مسألة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لي الساعة بدليل لاح لي أن الأمر على خلاف ما كان عندي، فبكيت وقلت، لعل الذي لاح لي أيضاً يكون مثل الأول، فهذا قولك. ومن المحال على الواقف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن أو يستريح، ولاسيما في معرفة الله تعالى. فما لك يا أخي تبقى في هذه الورطة ولا تدخل طريق الرياضيات والمكاشفات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنال ما نال من قال فيه سبحانه وتعالى:" عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً " ومثلك من يتعرض لهذه الخطة الشريفة والمرتبة العظيمة الرفيعة.
وليعلم وليي وفقه الله تعالى أن كل موجود عند سبب ذلك السبب محدث مثله، فإن له وجهين: وجه ينظر به إلى سببه، ووجه ينظر به إلى موجده. وهو الله تعالى، فالناس كلهم ناظرون إلى وجوه أسبابهم، والحكماء والفلاسفة كلهم وغيرهم إلا المحققين من أهل الله تعالى كالأنبياء والأولياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام، فإنهم مع معرفتهم بالسبب ناظرون من الوجه الآخر إلى موجدهم، ومنهم من نظر إلى ربه من وجه سببه لا من وجهه. فقال: حدثني قلبي عن ربي وقال الآخر وهو الكامل: حدثني ربي ومن كان وجوده مستفاداً من غيره فإن حكمه عندنا لا شئيء فليس للعارف معول إلا الله سبحانه البتة وأعلم أن الوجه الإلهي الذي هو الله اسم لجميع الأسماء: مثل الرب والقدير والشكور، وجميعها كالذات الجامعة لما فيها من الصفات، فاسم الله مستغرق