لجميع الأسماء فتحفظ عند المشاهدة، فإنك لا تشاهده أصلاً، فإذا ناجاك به وهو الجامع فانظر ما يناجيك به وانظر المقام الذي تقتضيه تلك المناجاة، وتلك المشاهدة، وانظر أي اسم هو الذي خاطبك أو شاهدته فهو المعبر عنه بالتهول في الصورة كالغريق، إذا قال يا الله فمعناه: يا غياث أو يا منجي أو يا منقذ وصاحب الألم إذا قال يا الله فمعناه: يا شافي أو يا معافي وما أشبه ذلك.
وقولي لك التحول في الصورة ما رواه مسلم في صحيحه أن الباري تعالى يتجلى فينكر ويتعوذ منه فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها فيفترون بعد الإنكار، هذا هو معنى المشاهدة هيهنا والمناجاة والمخاطبات الربانية.
وينبغي للعاقل أن لا يطلب من العلوم إلا ما يكمل به ذاته، وينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا العلم بالله تعالى، فإن علمك بالطب إنما يحتاج إليه في عالم الأمراض والأسقام، فإذا انتقلت إلى عالم ما فيه السقم ولا المرض ممن تداوي بذلك العلم، وكذلك العلم بالهندسة إنما يحتاج إليه في عالم المساحة فإذا انتقلت تركته في عالمه ومضت النفس ساذجة ليس عندها شيء منه، وكذلك الاشتغال بكل علم تركته النفس عند انتقالها إلى اشتغال الآخرة.
فينبغي للعاقل أن لا يأخذ منه إلا ما مست إليه الحاجة والضرورة، وليجتهد في تحصيل ما ينتقل معه حيث انتقل وليس ذلك إلا علمان خاصة العلم بالله، والعلم بمواطن الآخرة ما يقتضيه مقاماتها حتى يمشي فيها كمشيه في منزله، فلا ينكر شيئاً أصلاً، فلا يكون من الطائفة التي قالت عندما تجلى لها ربها: نعوذ بالله منك لست ربنا. ها نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا فلما جاءهم في الصورة التي عرفوها أقروا به فما أعظمها من حسرة، فينبغي للعاقل الكشف عن هذين العلمين بطريق الرياضة والمجاهدة والخلوة على الطريقة المشروطة.
وكنت أريد أن أذكر الخلوة وشروطها، وما يتجلى فيه على الترتيب شيئاً بعد شيء لكن منع مني ذلك الوقت وأعني بالوقت علماء السوء الذين أنكروا ما جهلوا، وقيدهم التعصب وحب الظهور والرياسة عن الإذعان للحق والتسليم له إن لم يكن الإيمان به والله ولي الكفاية: كان توبة بن الصمة محاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى من عمره فإذا هو ستون سنة، فحسب أيامها فكانت إحدى وعشرين ألف يوم وخمسمائة يوم، فقالت: يا ويلتا ألقى مالك بإحدى وعشرين ألف ذنب ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه.