للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني أن البحث إنما في المنزل لأنه قال: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فوجب صرف الضمير إليه، ألا ترى أن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم شيئاً مما يماثله، وقصة الترتيب لو كان الضمير مردوداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال وإن ارتبتم في أن محمداً منزلاً عليه: فهاتوا قرآناً من مثله.

وثالثها أن الضمير لو كان عائداً إلى القرآن لاقتضى كونهم عاجزين في الإتيان بمثله سواء اجتمعوا أو انفردوا وسواء كانوا أميين أو عالمين محصلين، أما لو كان عائداً إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك لا يقتضي إلا كون آحادهم من الأميين عاجزين عنه، لأنه لا يكون مثل محمد صلى الله عليه وسلم إلا الشخص الواحد الأمي، فأما لو اجتمعوا أو كانوا قادرين مثل محمد صلى الله عليه وسلم فذلك لا يقتضي إلا كون آحادهم من الأميين عاجزين عنه، لأنه لا يكون مثل الأمي ولا شك أن الإعجاز على الوجه الأول أقوى.

ورابعها: إنا لو صرفنا الضمير إلى القرآن فكونه معجزاً إنما يحصل لكمال حاله في الفصاحة أما لو صرفنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فكونه معجزاً إنما يكمل بتقدير كمال حاله في كونه أمياً بعيداً عن العلم، وهذا وإن كان معجزاً أيضاً إلا أنه لما كان لا يتم إلا بتقرير يوهم من النقصان في حق محمد صلى الله عليه وسلم كان الأول أولى. وخامسها: إنا لو صرفنا الضمير إلى محمد صلى الله عليه وسلم لكان ذلك يوهم أن صدور مثل القرآن عمن لم يكن مثل محمد صلى الله عليه وسلم في كونه أمياً ليس ممتنعاً، ولو صرفناه إلى القرآن لدل ذلك على أن صدوره عن الأمي ممتنع وكان هذا أولى.

منقول من حواشي الكشاف للقطب رحمه الله إذا تعلق من مثله بسورة وقد تقدم أمران المنزل، والمنزل إليه جاز أن يرجع الضمير إلى المنزل ويكون من للتبيين وللتبعيض أي فأتوا بالسورة التي هي مثل المنزل أو بسورة بعض مثله وجاز أن يرجع إلى المنزل عليه وهو العبد وحينئذ تكون من للإبتداء لأن مثل العبد مبدأ للإتيان ومنشؤه، أما إذا تعلق بقوله: فأتوا فالضمير للعبد، لأن من، لا يجوز أن تكون للتبيين، لأن من البيانية تستدعي مبهماً تبينه فتكون صفة له فتكون ظرفاً مستقراً، وإذا تعلق بفأتوا تكون ظرفاً لغواً فيلزم أن تكون ظرفاً واحداً مستقراً ولغواً وإنه محال، ولا يجوز أن تكون من للتبعيض، وإلا لكان مفعول فأتوا لكن مفعول فأتوا لا يكون إلا بالباء، فلو كان مثل مفعول فأتوا لزم دخول الباء في من وإنه غير جائز، فعين أن تكون من للإبتداء فيكون الضمير راجعاً إلى العبد لأن مثل العبد هو مبدء الإتيان لا مثل القرآن، وبهذا يضمحل وهم من لم يفرق بين فأتوا بسورة من مثل ما نزلنا وبين فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>