وقعها وقللت تأثيرها وضرها.
فمنها إشعار النفس ما تعلمه من حلول الفناء، والمصير إلى الإنقضاء، إذ ليس للدنيا حال يدوم، ولا لمخلوق بقاء معلوم، ومنها أن تستشعر أن كل يومٍ يمر منها شطر، ويذهب منها جانب حتى تتخلى، وأنت عنها غافل، قال الشاعر:
تسل عن الهموم فليس شيء ... يقيم فما همومك بالمقيمة
لعل الله ينظر بعد هذا ... إليك بنظرة منه رحيمة
ومنه أن تعلم أن فيما وقي من الرزايا، وكفى من الحوادث والبلايا، ما هو أعظم من رزيته، وأشد من بليته.
ومنها أن تعلم أن طوارق الإنسان من دلائل فضله، ومحنه من شواهد نبله.
فعن أمير المؤمنين رضي الله عنه حذق المرء محسوب من رزقه، وقال الشاعر:
محن الفتى يخبرن عن فضل الفتى ... كالنار مخبرة بفضل العنبر
وقلما تكون محنة فاضل إلا على يد جاهل وبلية كامل إلا من جهة ناقص قال الشاعر:
فلا غرو أن يمنى أديب بجاهل ... فمن ذنب التنين تنكسف الشمس
ومنها علمه بأنه يعتاض من الإرتياض بنوائب دهره، والإرتماض بمصائب عصره صلابة عود، واستقامة عمود، وتجارباً لا يغتر معه برخاء، وثباتاً لا يتزلزل بعده لكل شدة، وبأساً قال الشاعر:
نوائب الدهر أدبتني ... وإنما يوعظ الأديب
لم يمض بؤس ولا نعيم ... إلا ولي فيهما نصيب
ومنها التأسي بالأنبياء والأولياء السلف والصالحين، فإنه لم يخل أحدهم مدة عمره عن تواتر البلايا، وتفاقم الرزايا، وليشعر نفسه أن ينخرط بذلك في سلك أولئك الأقوام، وناهيك به من مقام يسمو على كل مقام.
سئل الحسن بن علي رضي الله عنهما: من أعظم الناس قدراً؟ فقال: من لم يبال بالدنيا بيد من كانت.