ومن كلامهم كما أن الذباب يتبع موضع الجروح فينكأها، ويجتنب المواضع الصحيحة، كذلك شرار الناس يتبعون معائب الناس، فيذكرونها ويدفنون المحاسن.
كتب أرسطاطاليس إلى الإسكندر أن الرعية إذا قدرت أن تقول قدرت أن تفعل فاجتهد أن لا تقول تسلم من أن تفعل.
سئل الإسكندر أي شيء نلته بملكك أنت أشد سروراً به قال: قوتي على مكافأة من أحسن إلي بأكثر من إحسانه. سئل سولون أي شيء أصعب على الإنسان؟ قال: الإمساك عن الكلام بما لا يعنيه.
شتم رجل اسخنيس الحكيم فأمسك عنه، فقيل له في ذلك: قال لا أدخل حرباً الغالب فيها أشر من المغلوب.
من كلام علي رضي الله عنه أنعم على من شئت فأنت أميره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، واستغن عمن شئت فأنت نظيره. قوله تعالى " وجزاء سيئة سيئة مثلها " المشهور أنه من باب المشاكلة، وبعض المحققين من أهل العرفان لا يجعله من ذلك الباب بل يقول: غرضه تعالى أن السيئة ينبغي أن تقابل بالعفو والصفح عمن فعلها، فإن عدل عن ذلك إلى الجزاء وكان ذلك الجزاء سيئة مثل تلك السيئة. وهذا الكلام لا يخلو من نفحة روحانية.
قيل لديوجانس الحكيم: هل لك بيت تستريح فيه؟ فقال إنما يحتاج إلى البيت ليستراح فيه، وحيث ما استرحت فهو بيت لي. وكان في زمانه رجل مصور فترك التصوير وصار طبيباً، فقال له: أحسنت إنك لما رأيت خطأ التصوير ظاهر للعين وخطأ الطب يواريه التراب تركت التصوير ودخلت في الطب. ورأى رجلاً أكولاً سميناً، فقال له: يا هذا إن عليك ثوباً من نسج أضراسك، كثير عزه من أبيات:
وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة بعدما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها ... وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت
وكانت لقطع الحبل بيني وبينها ... كناذرة نذراً فأوفت وبرت