من التوراة من لم يرض بقضائي، ولم يصبر على بلائي ولم يشكر نعمائي فليتخذ رباً سوائي من أصبح حزيناً على الدنيا فكأنما أصبح ساخطاً علي. من تواضع لغني لأجل غناه ذهب ثلثا دينه. يا ابن آدم ما من يوم جديد إلا ويأتي إليك من عندي رزقك، وما من ليلة جديدة إلا وتأتي إلي الملائكة من عندك بعمل قبيح. خيري إليك نازل وشرك إلي صاعد.
يا بني آدم أطيعوني بقدر حاجتكم إلي، واعصوني بقدر صبركم على النار، واعملوا للدنيا بقدر لبثكم فيها وتزودوا للآخرة بقدر مكثكم فيها. يا بني آدم زارعوني وعاملوني وأسلفوني، أربحكم عندي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. يا ابن آدم أخرج حب الدنيا من ق لبك، فإنه لا يجتمع حبي وحب الدنيا في قلب واحد أبداً. يا ابن آدم إعمل بما أمرتك وانته عما نهيتك، أجعلك حياً لا تموت أبداً.
يا ابن آدم إذا وجدت قساوة في قلبك، وسقماً في جسدك، ونقيصة في مالك وحريمة في رزقك، فاعلم أنك قد تكلمت فيما لا يعنيك. يا ابن آدم أكثر من الزاد، فالطريق بعيد وخفف الحمل فالصراط دقيق، وأخلص العمل فإن الناقد بصير وأخر نومك إلى القبور، وفخرك إلى الميزان، ولذاتك إلى الجنة، وكن لي أكن لك، وتقرب إلي بالإستهانة بالدنيا تبعد عن النار. يا ابن آدم ليس من انكسر مركبه، وبقي على لوح في وسط البحر بأعظم مصيبة منك، لأنك من ذنوبك على يقين، ومن عملك على خطر.
قال في التبيان: في قوله تعالى: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين " إن قوله اشتروا استعارة تبعية، وما ربحت تجارتهم ترشيح وقوله: وما كانوا مهتدين تجريد.
وقال الطيبي أيضاً في التبيان في فن البديع، أن قوله وما كانوا مهتدين إيغال قال لأن مطلوب التجار في متصرفاتهم سلامة رأس المال والربح، وربما تضيع الطلبتان ويبقى معرفة التصرف في طريق التجارة، فيتحيل لطرق المعاش وهؤلاء أضاعوا الطلبتين، وضلوا الطريق فدمروا ونحو ذلك قال في الكشاف. قال كاتب هذه الأحرف: كلام الطيبي في الاستعارة يعاند كلامه في الإيغال لأن ما ذكره في الإيغال يقتضي أن يكون قوله تعالى: وما كانوا مهتدين ترشيحاً لا تجريداً، وهو الحق إذا الحمل عليه يكسب الكلام رونقاً وطراوة لا يوجدان فيه لو حمل على التجريد كما لا يخفى على من له دراية في أساليب الكلام فقوله بالتجريد باطل وعن حلية الحسن عاطل.
أقول أيضاً القول بأنه إيغال باطل أيضاً لأن الإيغال كما ذكروه حمل الكلام بنكتة زائدة يتم المعنى بدونها وهو معدود من الإطناب.