كتب بعض البلغاء كتابة بليغة إلى المنصور، يشكو فيها سوء حاله وكثرة عائلته وضيق ذات يده. فكتب المنصور في جوابه البلاغة والغنا إذا اجتمعا لامرىء أبطراه وإن أمير المؤمنين مشفق عليك من البطر فاكتف بأحدهما.
سألت زماني؟ وهو بالجهل مولع ... وبالسخف مستهزء وبالنقص مختص
فقلت له هل لي طريق إلى الغنى ... فقال طريقان الوقاحة والنقص
آخر
سبل المذاهب في البلاد كثيرة ... والعجز شؤم والقعود وبال
يا من يعلل نفسه برخائه ... ما بالتعلل تدرك الآمال
يقال: علا في المكان يعلو علواً بالواو وعلا في الشرف يعلا علاء بالألف قاله في الصحاح.
قال بعض الصلحاء بينما أنا أسير في جبال بيت المقدس، إذ هبطت إلى واد هناك وإذاً أنا بصوت عال لتلك الجبال دوي منه، فاتبعت الصوت فإذا أنا بروضة فيها شجر ملتف وإذا برجل قائم يردد هذه الآية " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذركم الله نفسه " قال: فوقفت خلفه وهو يردد هذه الآية، ثم صاح صيحة خر منها مغشياً عليه، فانتظرت إفاقته فأفاق بعد ساعة، وهو يقول أعوذ بك من أعمال البطالين، أعوذ بك من إعراض الغافلين لك خشعت قلوب الخائفين وفرغت آمال المقصرين وذلت قلوب العارفين، ثم نفض يديه وهو يقول: ما لي وللدنيا ولي، أين القرون الماضية وأهل الدهور السالفة؟ ! في التراب يبلون وعلى مر الدهور يفنون.
فناديته يا عبد الله أنا منذ اليوم خلفك أنتظر فراغك فقال: وكيف يفرغ من يبادر الأوقات وتبادره؟ وكيف يفرغ من ذهبت أيامه وبقثت آثامه؟ ثم قال: أنت لها ولكل شدة أتوقع يرددها ثم لهى عني ساعة وقرأ " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " ثم صاح صيحة أشد من الأولى وخر مغشياً عليه، فقلت قد خرجت نفسه فدنوت منه وإذا هو يضطرب ثم أفاق وهو يقول: من أنا وما خطري هب لي إساءتي بفضلك وجللني بسترك واعف عني بكرم وجهك إذا وقفت بين يديك.
فقلت له يا سيدي بالذي ترجوه لنفسك وتثق به إلا كلمتني، فقال: عليك بكلام من ينفعك كلامه، ودع كلام من أوبقته ذنوبه، أنا في هذا الموضع ما شاء الله أجاهد إبليس ويجاهدني فلم يجد عوناً علي ليخرجني مما أنا فيه غيرك فإليك عني قد عطلت لساني، ومالت إلى حديثك شعبة من قلبي، فأنا أعوذ من شرك بمن أرجو أن يعيذني من سخطه، فقلت: في نفسي هذا من أولياء الله أخاف أن أشغله عن ربه ثم تركته ومضيت لوجهي. انتهى