خاض في وصف معركة كانه لسانه أمضى من نصالها، وأشجع من أبطالها، وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها، حتى يظن الفريقين قد تقابلا، والسلاحين قد تواصلا. وطريقة في ذلك يضل بسالكه، ويقوم بعذر تاركه. ولا شك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة فيصف لسانه ما أداه إليه عيانه. ومع هذا فإني رأيت الناس عادلين فيه عن السنن المتوسط، فإما مفرط في وصفه وإما مفرط وهو وإن انفرد بطريق صار أبا عذره، فإن سعادة الرجل كانت أكثر من شعره. وعلى الحقيقة فإنه خاتم الشعراء، ومهما وصف به فهو فوق الوصف وفوق الإطراء. ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها سيف الدول:
(لا تطلبن كريما بعد رؤيته ... إن الكرام بأسخارهم يدا ختموا)
(ولا تبال بشعر بعد شاعره ... قد أفسد القول حتى أحمد الصمم)
ولما تأملت شعره بعين المعدلة البعيدة عن الهوى، وعين المعرفة التي ما ضل صاحبها وما غوى، وجدته أقساما خمسة: خمس منه في الغاية المتقهرة التي لا يعبأ بها وعدمها خير من وجودها. ولو لم يقلها أبو الطيب لوقاه الله شرها؛ فإنها هي التي لا يعبأ بها وعدمها خير من وجودها ولو لم يقلها أبو الطيب لوقاه الله شر؛ فإنها هي التي ألبسته لباس الملام، وجعلت عرضه إشارة لسهام الأقوام. ولسائل هنا أن يسأل ويقول: لم عدلت نظرا واجتهادا. وذلك أني وقفت على أشعار الشعراء قديمها وحديثها حتى لم يبق ديوان لشاعر مفلق يثبت شعره على المحك إلا وعرضته على على نظري، فلم أجد أجمع من ديوان أبي تمام وأني الطيب للمعاني الدقيقة، ولا أكثر استخراجا منهما للطيف الأغراض والمقاصد، ولم أجد أحسن تهذيبا للألفاظ من أبي عبادة، ولا أنفس ديباجة ولا أبهج سبكا، فاخترت حينئذ دواوينهم لاشتمالها على محاسن الطرفين من المعاني والألفاظ، ولما حفظتها ألقيت ما سواها مع ما بقي على خاطري من غيرها. انتهى كلام صاحب المثل السائر.
قيل لحكيم: إن الذي قلته لأهل مدينة كذا لم يقبلوه، فقال: لا يلزمني ن يقبل، بل يلزمني أن يكون صوابا.
قيل الأعرابي: ما السرور؟ فقال: الكفاية في الأوطان، والجلوس مع الأخوان.
قال حكيم: لا يكون الرجل عاقلا حتى يكون تعنيف الناصح ألطف موقعا من ملق الكاشح.
قال بعض الملوك: إنما الدنيا فيما لا يشاركنا فيه العامة من معالي الأمور.