قول المفسرين الذين ذكروا فيه أَن فوقاً في الآية بمَعْنَى دون.
قال أَبو بكر: وردّه هذا غلط عندي؛ لأَنَّ البعوضة وصفٌ للمَثَل، وما توكيد، والتقدير: مثلاً بعوضة فما دونها. فإِنَّ كان الأَمر على ما ذكر من أَن فوق لا
تكون بمَعْنَى دون إِلَاّ بعد تقدم الوصف، لزمه إجازة هذا المعنى في الآية؛ إذْ كان الحرف جاءَ بعد البعوضة؛ وهي وصف للمثَل. ويجوز أَن تنتصب البعوضة على معنى بَيْن؛ ويكون التقدير: مثلاً ما بين بعوضة إِلى ما فوقها، فأَسقطت بين وجعل إعرابها في البعوضة؛ ليعلم أَن معناها مراد؛ كما قالت العرب: مُطِرْنا ما زُبالة فالثَّعْلَبِيَّة، وهم يريدون: ما بين زبالة إِلى الثعلبية، قال الشَّاعِر:
يا أَحسَنَ النَّاسِ ما قَرْناً إِلى قَدَمٍ ... ولا حبالَ مُحبٍّ واصلٍ تَصِلُ
أَراد: ما بين قرن إِلى قدم. وقرأَ رُؤْبَةُ بن العجاج: مَثَلاً ما بعوضَةٍ فما فَوْقَها، على معنى: مثلاً ما هو بعوضة، فأَضمر هو، كما قال الأَعشى:
فأَنت الجوادُ وأَنتَ الَّذي ... إِذا ما النفوسُ مَلأْنَ الصُّدورا