التأْخير معه قوله جلّ وعزّ: لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهانَ رَبِّه. إِذ كان الواجب علينا، واللازم أَن نحمِلَ القرآن على لفظه، وأَلَاّ نُزيله عن نَظْمه؛ إِذا لم تَدْعُنا إِلى ذلك ضرورة، وما دعتْنا إِليه في هذه الآية ضرورة، فإِذا حَمَلْنا الآية على ظاهرها ونظمها كان هَمَّ بها معطوفاً على هَمَّتْ بِهِ، ولَوْلَا حرف مبتدأ جوابه محذوف بعده؛ يراد به: لولا أَن رأَى برهان ربّه لزنا بها بعد الهمّ، فلمَّا رأَى البرهان زال الهمّ ووقع الانصراف عن العزم. وقد خبّر الله جلّ وعزّ عن أَنبيائه بالمعاصي الَّتي غفرها، وتجاوز عنهم فيها، فقال تبارك وتعالى: وعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى، وقال لنبيّه محمد عليه السَّلام: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكْ. ووَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ، وخبَّر بمثل هذا عن يونس وداود عليهما السَّلام، وقال النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما مِنْ نَبِيٍّ إِلَاّ قَدْ عَصَى أَوْ هَمَّ إِلَاّ يحيى بن زكريا.
وقال أَبو عُبيد: قال الحسن: إِنَّ الله جلّ وعزّ لم يقصص عليكم ذنوب الأَنبياء تغييراً منه لهم، ولكنَّه قصَّها عليكم، لئلاّ تقنطوا من رحمته.