للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرسل يقول للشيخ موفق الدين: انظر! كيف تستدرك هذه الهفوة، فأرسل إليه الشيخ الموفق كتابًا، أوله: أخوه في الله عبدُ الله بن أحمد يسلِّم على أخيه الإمام الكبير فخر الدين جمال الإسلام ناصر السنة - أكرمه الله بما أكرم به أولياءه، وأجزل من كل خير عطاءه، وبلغه أمله ورجاءه؛ وأطال في طاعة الله بقاءه - إلى أن قال: إنني لم أنه عن القول بالتخليد نافيًا له، ولاعِبْتُ القولَ به منتصرًا لضده، وإنما نهيت عن الكلام فيها من الجانبين إثباتًا أو نفيًا؛ كفًا للفتنة بالخصام فيها، واتباعًا للسنة في السكوت عنها، إذ كانت هذه المسألة من جملة المُحْدَثات، وأشرت على من قبل نصيحتي بالسكوت عما سكت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، والأئمة المقتدى بهم من بعده، إلى أن قال: وأما قوله - وفقه الله -: إني كنت مسألة إجماع فصرت مسألة خلاف، فإنني إذا كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حزبه متبعًا للسنة، ما أبالي مَنْ خالفني، ولا مَنْ خالف فيَّ، ولا أستوحش لفوات من فارقني، وإني لمعتقد أن الخلق كلهم لو خالفوا السنة وتركوها، وعادَوْني من أجلها، لما ازددت لها إلا لزومًا، ولا بها إلا اغتباطًا - إن وفقني الله لذلك -؛ فإن الأمور كلها بيده، وقلوب العباد بين إصبعيه.

وأما قوله: إن هذه المسألة مما لا يخفى، فقد صدق وبرّ، ما هي - بحمد الله - عني خفية، بل هي متجلية مضيئة، ولكن إن أظهر عنده بسعادته تصويب الكلام فيها تقليدًا للشيخ أبي الفرج، وابن الزاغوني، فقد تيقنت تصويب السكوت عن الكلام فيها اتباعًا لسيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم -، ومن هو حجة على الخلق أجمعين، ثم لخلفائه الراشدين، وسائر الصحابة والأئمة المرضيين، لا أبالي مَنْ لامني في اتباعهم، ولا من فارقني في وفاقهم، فأنا كما قال الشاعر:

أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةً ... حُبًّا لذِكْرِكِ فَلْيَلُمْني اللُّوَّمُ

فمن وافقني على متابعتهم، وأجابني إلى مرافقتهم وموافقتهم، فهو رفيقي وحبيبي وصديقي، ومن خالفني في ذلك، فليذهب حيث شاء، فإن السبل كثيرة، لكن خطرة لا خضرة. وقوله بسعادته: إن تعلقه بأن لفظة التخليد لم ترد، ليس بشيء، فأقول: لكن عندي - أنا - هو الشيء الكبير، والأمر الجليل الخطير؛

<<  <   >  >>