للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢٢٥ - محمد بن أحمد بنِ محمدِ بنِ قدامةَ بنِ مقدام، الجماعيليُّ، المقدسيُّ الدمشقيُّ، المحدثُ، الصالح، الزاهد والعابد، أبو عمر.

مولده سنة ٥٢٨. حفظ القرآن، وسمع الحديث من جماعة من حفاظ الزمان، وحدث وسمع منه جماعات، منهم: الضياء، والمنذري، وكان سريع الكتابة، وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير. قال الضياء: وكان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه، وعمل به، مات وهو عاقد على أصبعه يسبح، وكان لا يكاد يسمع بجنازة إلا حضرها، ولا بمريض إلا عاده، ولا جهادٍ إلا خرج فيه، وكان يزور القبور كلَّ جمعة بعد العصر، ولا ينام إلا على وضوء، ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه، ولا يترك غُسل الجمعة، ويلبس الخشن، وينام على الحصير، وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكُمُّه إلى رُسْغِه، وكان له هيبة عظيمة في القلوب، واستسقى، ودعا مرة، فجاء المطر حينئذ، وجرت الأودية، وله كرامات كثيرة يطول ذكرها. قال سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان": كان معتدل القامة، حسن الوجه، عليه أنوار العبادة، لم يَنْهَر أحدًا، ولم يوجع قلب أحد، وكان يقول: أنا زاهد، لكن في الحرام.

بنى المدرسة والمصنع بعلو همته، وكان مجاب الدعوة، وما كتب لأحد ورقة للحُمَّى إلا وشفاه الله تعالى، وفضائله غزيرة. وقال غيره: له آثار جميلة. قال أبو المظفر: كان على مذهب السلف الصالح، حسنَ العقيدة، متمسكًا بالكتاب والسنة والآثار المروية، ويُمِرُّها كما جاءت، من غير طعن على أئمة الدين، وعلماء المسلمين، وينهى عن صحبة المبتدعين، ويأمر بصحبة الصالحين، وأنشد لنفسه:

أَلَم يكُ ملهاةً عن اللهوِ أنني ... بدا في شيبُ الرأس والضعفُ والألمُ

ولما كان - عشية الاثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة ٦٠٧، جمع أهله، واستقبل القبلة، ووصاهم بتقوى الله ومراقبته، وأمرهم بقراءة يس، وكان آخر كلامه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٢] وتوفي رح. ولما خرجوا بجنازته، وكان يومًا شديد الحر، أقبلت غمامة، فأظلت الناسَ

<<  <   >  >>