٣٤٠ - ابن الفارض: هو أبو حفص، عمرُ بن أبي الحسن عليِّ بنِ المرشد بنِ عليّ، الحمويُّ الأصل، المصريُّ المولدِ والدارِ والوفاة، المعروفُ بابن الفارض المنعوت بأشرف.
ولد سنة ٥٦٠، وقيل غير ذلك.
كان رجلاً صالحًا، كثيرَ الخير، على قدم التجرُّد، جاور [في] مكة المشرفة زمانًا، وكان حسنَ الصحبة، محمودَ العشرة، له ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق ظريف ينحو منحى طريقة الفقراء، له قصيدة - مقدار ست مئة بيت - على اصطلاحهم ومنهجهم في التصوف، وهي المعروفة بالتائية الكبرى، أو بنظم السلوك، أولها:
فأَوْهَمت صَحبي أَنَّ شربَ شرابهم ... به سِرُّ سِرِّي في انتشاري بِنَظْرَةِ
توفي بالقاهرة سنة ٦٤٢ هجرية، ورثاه بعضهم. وقال ولده: كان أبي معتدلَ القامة، وجههُ جميلٌ مشرَب بحمرة ظاهرة، وإذا استمع وتواجد، وغلب عليه الحال، يزداد وجهه جمالا ونورًا، وينحدر العرق من كل جسده حتى يسيل تحت قدميه على الأرض، ومن فهم معاني كلامه، دلته معرفته على مقامه، وكان إذا مشى في المدينة، تزدحم الناس، يلتمسون منه البركة والدعاء، ويقصدون تقبيل يده، فلا يمكَّن أحدًا من ذلك، بل يصافحه، وكان إذا حضر في مجلس، يظهر على ذلك المجلس سكونٌ وهيبة ووقار، وإذا خاطبوه، فكأنهم يخاطبون ملكًا عظيمًا، وكان ينفق على من يرد عليه نفقة متسعة، ويعطي من يده عطاء جزيلاً، ولم يكن يتسبب في تحصيل شيء من الدنيا، ولا يقبل من أحد شيئًا، وبعث إليه السلطان محمد الملك الكامل ألفَ دينار، فردها إليه.
وله كرامات كثيرة، ودخل مكة المكرمة حاجًا، وأقام بها خمس عشرة سنة، وطاف أوديتها وجبالها، وكان يستأنس فيها بالوحوش ليلاً ونهارًا، وأشار إليه في قصيدته "التائية"، ثم عاد إلى القاهرة، وأقام بها إلى أن توفي.