في مجلس وعظه - وأنا أسمع - عن أخبار الصفات، فنهى عن التعرض لها، وأمر بالتسليم. قال ابن القطيعي: بلغني أنه حضر بالديوان العزيز وجماعة من الفقهاء، فاستدل شخص بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابن البغدادي الحنفي: هذا الحديث لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال الخصم: قد أخرجه البخاري ومسلم، فقال ابن البغدادي: قد طعن فيهما أبو حنيفة، فقال ابن الدجاجي: هل كان مع أبي حنيفة ملحمة؟ توفي صاحب الترجمة سنة ٥٦٤.
٢٠٣ - عثمان بن مرزوق بنِ حميد، القرشيُّ، الفقيهُ، العارفُ، الزاهدُ، أبو عمرو، نزيلُ مصر.
صحب شرف الإسلام عبد الوهاب بن الحنبلي بدمشق.
أفتى ودرَّس وناظر وتكلم على المعارف والحقائق، وانتهى إليه خلق كثير من الصلحاء، وأثنى عليه المشائخ، وحصل له قبول تام من الخاص والعام، وكان يعظم الشيخ عبد القادر، ويقال: إنه اجتمع به هو وأبوه مدين بعرفات، ولبسا منه الخرق، وسمعا منه جزءًا من مروياته، وسمع الحديث، ورواه، وحدَّث عنه جماعة، وله كرامات وأحوال ومقامات، وكلام حسن على لسان أهل الطريقة، فمن ذلك قوله: الطريق إلى معرفة الله وصفاته الذكرُ والاعتبارُ بحكمه وآياته، ولا سبيل للألباب إلى معرفة كنه ذاته، ولو تناهت الحكمة الإلهية في حد العقول، وانحصرت القدرة الربانية في درك العلوم لكان ذلك تقصيرًا في الحكمة ونقصًا في القدرة، لكن احتجبت أسرار الأزل عن العقول، كما احتجبت سبحات الجلال عن الأبصار، فقد رجع معنى الوصف في الوصف، وعمي الفهم عن الدرك، ودار الملك في الملك، وانتهى المخلوق إلى مثله، واستند الطلب إلى شكله، {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا}[طه: ١٠٨]، فجميع المخلوقات من الذرة إلى العرش متصل إلى معرفته، وحجج بالغة على أزليته، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته، والعالم كله كتاب يقرأ حروف أشخاصه المتبصرون على قدر بصائرهم.
ومن كلامه أيضًا: من لم يجد في قلبه زاجرًا، فهو خراب، ومن عرف نفسه،