وهو مقام الجمع عندهم، لكن أهل الشرع حفظوا حمى الشريعة، ولهذا سكت عن حاله بعضهم، وقال:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ}[البقرة: ١٣٤]، والاعتقاد خير من الانتقاد، والكف أسلم، انتهى.
قال عياض في "الشفاء": وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية، وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي محمد بن يوسف بن يعقوب على قتل الحلاج وصلبه؛ لدعواه الألوهية، ودعواه الحلول، وقوله: أنا الحق، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته - يعني: لتكرر ذلك منه - انتهى.
وأقول: إن ثبت أنه تاب، ثم رجع، ثم أناب، ثم قُتل ولم يقبلوا توبته، فهذا فعلٌ لا يتأتى الإقدامُ عليه إلا ممن لم يدرك مداركَ السنة الصحيحة على وجهها - عفا الله عنا وعنهم أجمعين - "والتائبُ من الذنب كمن لا ذنب له"، وإن تكرر منه الذنب مرارًا، فالتوبة تمحو الحوبة، وإن كثرت النوبة، والله أعلم.
٤٢٣ - إبراهيم بن جعمان.
مفتي زَبيد، كان عالمًا مدرسًا حافظًا محدثًا، وكانت إليه رئاسة مدينة زبيد، وكان مسموعَ الكلمة، مقبولَ الشفاعة، كثيرَ الشيوخ، أخذ عنه الكثير، وانتفعوا به، قال المحبي: كان إمامًا عالمًا خاشعًا، كثيرَ الذكر والخير، ملازمًا للمسجد، أُخذ الفقه والحديث، له فتاوى كثيرة، ورسالة في العروض سماها:"آية الحائر إلى الفلك من أحرف الدوائر"، أخذ عنه جماعة، منهم: الغزي، وكان يحسن إلى الطلبة، ويجيز من قرأ عليه، وكان ينظم شعرًا، ومن شعره في الإلهيات قولُه من أبيات:
قَصْدي رِضاكَ بكلِّ وجهٍ أمكنا ... فامْنُنْ عليَّ بذاكَ من قبل الفَنَا