وارتحل إلى سائر جهات الشام، وبرع في هذا الشأن، وفاق الأقران، وحفظ من الحديث ما صار به منفردًا عن أهل عصره، ثم حج مرات، وجاور مجاورات، وخرَّج لجماعة من شيوخه أحاديث.
وله:"الضوء اللامع لأهل القرن التاسع"، في أربع مجلدات، ومصنف في ترجمة نفسه، و"القول المني في ذم ابن عربي". وبالجملة: فهو من الأئمة الأكابر، ترجم لنفسه ترجمة طويلة، قال تلميذه ابن فهد المكي: إن شيخنا صاحب الترجمة حقيق، بما ذكره لنفسه من الأوصاف الحسنة، ولقد والله العظيم! لم أر في الحفاظ المتأخرين مثله، ويعلم ذلك من اطلع على مؤلفاته، أو شاهده وهو عارف بفنه، وقال بعض العلماء: لم يأت بعد الحافظ الذهبي مثلُه، وبعدَه مات فنُّ الحديث، وأسفَ الناسُ على فقده، مات سنة ٩٠٢.
قال الشوكاني: ولو لم يكن لصاحب الترجمة من التصانيف إلا "الضوء اللامع"، لكان أعظمَ دليل على إمامته، ثم لم يتقيد في كتابه بمن مات في القرن التاسع، بل ترجم لجميع من وجد فيه ممن عاش إلى القرن العاشر، وليته صان ذلك الكتاب الفائق عن الوقيعة في أكابر العلماء من أقرانه، ولكن ربما كان له مقصد صالح، وقد غلبت عليه محبة شيخه الحافظ ابن حجر، فصار لا يخرج عن غالب أقواله، كما غلبت على ابن القيم محبة شيخه ابن تيمية، وعلى الهيثمي محبة شيخه العراقي، انتهى. وعليَّ محبة شيخي العلامة الشوكاني - رح -.
وفي هذه الترجمة رجح الشوكاني "الضوء اللامع" على "الدرر الكامنة" وذكر أسماء مؤلفات السخاوي،- رحمه الله -.
٤٨١ - محمد بنُ عبد الله بنِ سعيدٍ، التلمسانيُّ، القرطبيُّ، واشتهر بلسانِ الدين ابنِ الخطيب.
سمع من جماعة وتأدب. وأخذ الطلب والمنطق، وتولع بالشعر، فبرع فيه، وترسَّلَ فأجاد، ومن شعره:
ما ضَرَّني إنْ لم أَجِىءْ مُتَقَدِّمًا ... السبق يعرفُ آخرَ المِضْمارِ