للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبو حفص السهرورديُّ في "عوارفه": أنه من شطحات الشيوخ التي لا يُقتدى بهم فيها، ولا يقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا المعصومَ - صلى الله عليه وسلم -، ومن ساق الشيوخ المتأخرين مساق الصدر الأول، وطالبهم بطرائقهم، وأراد منهم ما كان عليه الحسن البصري وأصحابه؛ من العلم العظيم، والعمل العظيم، والورع العظيم، والزهد العظيم، مع كمال الخشية والخوف، وإظهار الذل والحزن والانكسار، والإزراء على النفس، وكتمان الأحوال والمعارف، والمحبة والشوق، ونحو ذلك، فلا ريب أنه يزدري المتأخرين ويمقتهم، ويهضم حقوقهم، فالأولى تنزيلُ الناس منازلَهم، وتوفيتُهم حقوقَهم، ومعرفةُ مقاديرهم، وإقامةُ معاذيرهم، وقد جعل اللهُ لكل شيء قدرًا.

أقول: هذا الكتاب هو "بهجة الأسرار"، وفيه نسب الحكايات الشركية التي لا تلائم حال الأبرار إلى حضرة الشيخ - عليه الرحمة -، وهو مملوء بالأكاذيب والأباطيل، وقد سلك صاحب "أخبار الأخيار" وغيرُه من أهل الطبقات في مدائح الشيخ ومناقبه طريق المبالغة والإغراق، وذكروا أشياء لا يقبلها العقل السليم، والنقل المستقيم، والظاهر أنها مكذوبة عليه - رحمه الله تعالى -.

قال ابن رجب: ولما كان الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عظيمَ الخبرة بأحوال السلف والصدر الأول، قلَّ من كان في زمانه يساويه في معرفة ذلك، وكان له أيضاً حظ من ذوق أحوالهم، وقسطٌ من المشاركة في معارفهم، كان لا يعذر المشايخ المتأخرين في طرائقهم المخالفة لطريق المتقدمين، ويشتد إنكارُه عليهم، وقد قيل: إنه صنف كتابًا ينقم فيه على الشيخ عبد القادر أشياءَ كثيرة، ولكن قد قلَّ في هذا الزمان من له الخبرة التامة بأحوال الصدر الأول، والتمييز بين صحيح ما يذكر عنهم من سقيمه، فأما من له مشاركة لهم في أذواقهم، فهو نادر النادر، وإنما ألم أهل هذا الزمان بأحوال المتأخرين، ولا يميزون بين ما يصح عنهم من ذلك من غيره، فصاروا يخبطون خبط عشواء في ظلمات، والله المستعان.

وللشيخ عبد القادر - رحمه الله تعالى - كلامٌ حسن في التوحيد والصفات

<<  <   >  >>