للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلو شأنه، وليس ذلك من فضل الله ببديع ولا عجب {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧]، ولقد هذب أحوال هذه الناحية عن البدع بأسرها، ونقح أمورهم عما اعتادوا منها في أمرها، وحملهم على الاعتقاد الذي لا مطعن لمسلم عليه، ولا سبيل لمبتدع إلى القدح إليه، انتهى حاصله. ومن جملة ما أخذه أهلُ هراة عنه من محاسن سيره: التبكيرُ بصلاة الصبح، وأداءُ الفرائض في أوائل أوقاتها، واستعمالُ السنن والآداب فيها، ومن ذلك تسمية الأولاد في الأغلب بالعبد - المضاف إلى أسماء الله تعالى -؛ كعبد الخالق، وعبد الهادي، وعبد العزيز، وعبد السلام، وإلى غير ذلك، فما زال يحثهم ويدعوهم إلى ذلك، فتعودوا الجري على تلك السنة وغير ذلك من آثاره.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "الأجوبة المصرية": شيخُ الإسلام الهرويُّ مشهورٌ معظم عند الناس، هو إمام في الحديث والتصوف والتفسير، وهو في الفقه على مذهب أهل الحديث، والغالب عليه اتباع الحديث على طريقة ابن المبارك ونحوه، انتهى. وله شعر كثير حسن جدًا، ولأجل هذا ذكره الباخرزي في كتابه "دمية القصر في شعراء العصر"، وقد اعتنى بشرح كتابه "منازل السائرين" جماعةٌ، وهو كثيرُ الإشارة إلى مقام الفناء في توحيد الربوبيّة، واضمحلال ما سوى الله في الشهود لا في الوجود، فيتوهم فيه أنه يشير إلى الاتحاد حتى انتحله قوم من الاتحادية، وعظموه لذلك، وذمه قوم من أهل السنة، وقدحوا فيه بذلك، وقد برأه الله من الاتحاد.

قال ابن رجب في "الطبقات": وقد انتصر له شيخنا ابن القيم في كتابه الذي شرح (١) فيه "المنازل"، وبين أن حمل كلامه على قواعد الاتحاد زورٌ وباطل.

توفي شيخ الإسلام في مكة المكرمة يوم الجمعة بعد العصر، ودفن بهراة - رحمه الله -.


(١) الحافظ ابن القيم شرح الكتاب المسمى "منازل السائرين"، وسماه "مدارج السالكين" في ثلاث مجلدات، وطبع بمطبعة المنار بمصر، ثم أعيد طبعه أيضًا بمصر في مطبعة السنة المحمدية سنة (١٣٧٥ هـ ١٩٥٥ م)، وقد تحقق أن هذا الشرح يفوق على الشروح كلها.

<<  <   >  >>