للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: وما أعرف أحدًا من أهل السنة رأى الحافظَ إلا أحبه حبًا شديدًا، ومدحه مدحًا كثيرًا، وكان ليس بالأبيض الأمهق، بل يميل إلى السمرة، حسنَ الشعر، كثَّ اللحية، واسع الجبين، عظيم الخلق، تام القامة، كأَن النورَ يخرج من وجهه.

وكان قد ضعف بصره من كثرة البكاء والنسخ والمطالعة، ويقول: إنه أبلغ ما يسأل العبد ربه - عز وجل - ثلاثة أشياء: ١ - رضوان الله - عز وجل -، ٢ - والنظر إلى وجهه الكريم، ٣ - والفردوس الأعلى. وقال: يقال: إن من العصمة ألا تجد. ثم قال: هي أعظم العصمة؛ فإنها عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسئل: هؤلاء المشايخ يُحكى عنهم من الكرامات ما لا يحكى عن العلماء، أيش السبب في هذا؟ فقال: اشتغال العلماء بالعلم كرامة، أو قال: أتريد للعلماء كرامة أفضل من اشتغالهم بالعلم؟ وقد كان للحافظ كرامات كثيرة، ذكر بعضها ابن رجب في "الطبقات"، وذكر الضياء أشياء كثيرة منها.

وقال الحافظ: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم يمشي وأنا أمشي خلفه، إلا أن بيني وبينه رجلاً. وعن رجل فقيه - وكان ضريرًا يبغض الحافظ -، فرأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في النوم ومعه الحافظ، ويده في يده في جامع عمرو بن العاص، وهما يمشيان، وهو يقول له: يا رسول الله! حدثت عنك بالحديث الفلاني، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: صحيح، حتى عدد مئة حديث، فأصبح، فتاب من بغضه.

وقال آخر: رأيت الحافظ في النوم يمشي مستعجلاً، فقلت: إلى أين؟ قال: أزور النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: وأين هو؟ قال: في المسجد الأقصى، فإذا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وعنده أصحابه، فلما رأى الحافظ، قام له النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأجلسه إلى جانبه، قال: فبقي الحافظ يشكو إليه ما لقي، ويبكي، ويقول: يا رسول الله! كذبت في الحديث الفلاني، والحديث الفلاني، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: صدقتَ يا عبد الغني.

ومن مصنفاته كتاب "المصباح في عيون الأحاديث الصحاح" أربعون جزءًا، يشتمل على أحاديث "الصحيحين"، وكتاب "الصفات"، وكتاب "محنة الإمام أحمد"، وكتاب "العمدة في الأحكام" مما اتفق عليه البخاري ومسلم، وكتاب

<<  <   >  >>