الأحكام الشرعية في جميع الأقطار اليمنية مَنْ لا يوثق بدينه وعلمه، وأكثروا من هذا، وأرسلوا إليّ بالرسائل المطولة، فقبلت مستعينًا بالله، ومتكلاً عليه، ولم يقع التوقف على مباشرة الخصومات في اليومين فقط، بل انثار الناس من كل محل، فاستغرقت في ذلك جميع الأوقات إلا لحظات يسيرة قد أفرغها للنظر في شيء من كتب العلم، أو لشيء من التحصيل في تتميم ما قد كنت شرعت فيه، واشتغل الذهن شغلة كبيرة، وتكدر الخاطر تكدرًا زائدًا، ولا سيما وأنا لا أعرف الأمور الاصطلاحية في هذا الشأن، ولم أحضر عند قاطن في خصومة، ولا في غيرها، بل كنت لا أحضر في مجالس الخصومة عند والدي - رحمه الله تعالى - من أيام الصغر فما بعدها.
ولكن شرح الله الصدر، وأعان على القيام بذلك الشأن، ومولانا الخليفة - حفظه الله - ما ترك شيئًا من التعظيم إلا وفعله، وكان يجلني إجلالاً عظيمًا، وينفذ الشريعة على قرابته وأعوانه، بل على نفسه، وأنا حالَ تحرير هذه الأحرف في سنة ١٢١٣ مستمر على مباشرة تلك الوظيفة مؤثرًا التدريس للطلبة في بعض الأوقات في مصنفاتي وغيرها، وأسأل الله بحوله وطَوْله أن يرشدني إلى مراضيه، ويحولَ بيني وبين معاصيه، وييسر لي الخير حيث كان، ويدفع عني الشر، ويقيمني في مقام العدل، ويختار لي ما علم فيه الخير في الدين والدنيا.
وفي رمضان سنة ١٢٢٤ توفي مولانا الإمام بداره المسماة بدار الإسعاد، وكان الذي صلى عليه في جمع جَمٍّ راقمُ هذه الأحرف. ووقعت البيعة لولده مولانا الإمام المتوكل على الله، أحمد بن المنصور في الليلة التي مات فيها الإمام، وكنت أول من بايعه، ثم كنت المتولي لأخذ البيعة له من إخوته وأعمامه وسائر آل الإمام القاسم، وجميع أعيان العلماء والرؤساء، وكانت البيعة منهم في أوقات، والله المسؤول أن يجعل فيه للمسلمين صلاحًا وفلاحًا، انتهى، كلامه.
أقول: وما جرى لحضرة الأستاذ - رضي الله عنه - من ولاية القضاء، جرى لنا أيضًا مثله من ولاية فصل الخصومات في منزلنا هذا، من جهة واليته - أصلح الله حالها ومآلها - وكان ذلك على إكراه منا، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.