للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجمع فيه المجاميع المفيدة الكثيرة. قال ابن حجر: حتى كان أكثرَ أهل عصره تصنيفًا، وجمع "تاريخ الإسلام"، فأربى فيه على مَنْ تقدمه بتحرير أخبار المحدِّثين خصوصًا، انتهى، ولعل "تاريخ الإسلام" في زيادة على عشرين مجلدًا، وقفت منه على أجزاء، وله "الميزان" في نقد الرجال جعله مختصًا بالضعفاء الذين قد تكلم فيهم متكلم، وإن كانوا غير ضعفاء في الواقع، ولهذا ذكر فيه مثل ابن معين، وعلي بن المديني؛ باعتبار أنه قد تكلم فيهما متكلم، وهو كتاب مفيد، وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها، رحل إليه الناس لأجلها، وأخذوها عنه وتداولوها، وقرؤوها وكتبوها في حياته، وطارت في جميع بقاع الأرض.

وله فيها تعبيرات رائقة، وألفاظ رشيقة غالبًا، لم يسلك فيها مسلك أهل عصره، ولا مَنْ قبلهم، ولا مَنْ بعدهم، وقد أكثر التشنيع عليه تلميذُه السبكي، وذكر في مواضع من "طبقاته" ولم يأت بطائل، بل غاية ما قال: إنه كان إذا ترجم الظاهرية والحنابلة، أطال في تقريظهم، وإذا ترجم غيرهم من شافعي أو حنفي، لم يستوف ما يستحقه، وعندي: أن هذا مثل ما قال الأول:

ع * تلكَ شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها *.

فإن الرجل قد ملىء حبًا للحديث، وغلب عليه، فصار الناس عنده هم أهله، وأكثر محققيهم وأكابرهم هم من كان يطيل الثناء عليه، لا من غلب عليه التقليد، وقطع عمره في الاشتغال بما لا يفيد.

ومن جملة ما قاله السبكي: إنه كان إذا أخذ القلم، غضب حتى لا يدري ما فيقول. وهذا باطل؛ فإن مصنفاته تشهد بخلاف هذه المقالة، وغالبُها الإنصاف والذبُّ عن الأفاضل، وإذا جرى قلمه بالوقيعة في أحد، فإن لم يكن من معاصريه، فهو إنما روى ذلك عن غيره، وإن كان من معاصريه، فالغالب أنه لا يفعل ذلك إلا مع من يستحقه، وإن وقع ما يخالف ذلك نادرًا، فهذا شأن البشر، وكل أحد يؤخذ منه ويُترك إلا المعصوم، والأهوية تختلف، والمقاصد تتباين، وربك يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون. قال الصفدي: لم يكن عنده

<<  <   >  >>