للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس الذنب معاداة لمن كان كذلك للعامة الذين لا تعلق لهم بشيء من المعارف العلمية، فإنهم أتباع كل ناعق، إذا قال لهم مَنْ له هيئةُ أهلِ العلم: إن هذا الأمر حق، قالوا: حق، وإن قال: باطل، قالوا: باطل، إنما الذنب لجماعة قرؤوا شيئًا من كتب الفقه، ولم يمعنوا فيها، ولا عرفوا غيرها، فظنوا - لقصورهم - أن المخالفة لشيء منها مخالفة للشريعة، بل لقطعي من قطعياتها، مع أنهم يقرؤون في تلك الكتب مخالفة أكابر الأئمة وأصاغرهم لما هو مختار لمصنفها، ولكن لا يعقلون حقيقة، ولا يهتدون إلى طريقة، بل إذا بلغ بعض معاصريهم إلى رتبة الاجتهاد، وخالف شيئًا باجتهاده، جعلوه خارجًا عن الدين، والغالب عليهم أن ذلك ليس لمقاصد دينية، بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأملها، وهي أن يشيع في الناس أن من أنكر على أكابر العلماء ما خالف المذهب من اجتهاداتهم، كان من خلص الشيعة، أو تكون تلك الشهرة مفيدة في الغالب لشيء من منافع الدنيا وفوائدها، فلا يزالون قائمين وثائرين في تخطئة أكابر العلماء، ورميهم بالنصب، ومخالفة أهل البيت، فتسمع ذلك العامة، فتظنه حقًا، وتعظم ذلك المنكر؛ لأنه قد نفق على عقولها صدقُ قوله، وظنوه من المحامين عن مذاهب الأئمة، ولو كشفوا عن الحقيقة، لوجدوا ذلك المنكر هو المخالف لمذهب الأئمة من أهل البيت، بل الخارج عن إجماعهم؛ لأنهم جميعًا حرموا التقليد على من بلغ رتبة الاجتهاد، وأوجبوا عليه أن يجتهد رأي نفسه، ولم يخصوا ذلك بمسألة دون مسألة، ولكن المتعصب أعمى، والمقصر لا يهتدي إلى الصواب، ولا يخرج عن معتقده إلا إذا كان من ذوي الألباب، مع أن مسألة تحريم التقليد على المجتهد هي محررة في الكتب التي هي [في] مدارس صغار الطلبة، فضلاً عن كبارهم.

قال: وقد كان كثيرٌ [من] أتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده، وتظهروا بذلك، وقرؤوا عليه كتب الحديث، وما زال ناشرًا لذلك في الخاصة والعامة، غيرَ مُبال بما يتوعده به المخالفون له، ووقعت في خلال أثناء ذلك فتن كبار وقاه الله شرها، وله مصنفات حافلة جليلة، منها: "سبل السلام" اختصره من "البدر التمام" للمغربي، ومنها: "منحة الغفار" جعلها حاشية على

<<  <   >  >>