للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعل مشيخته يقاربون الألف. قال الصلاح الكتبي: وكان عنده كتب كبار، وأمهات جيدة، وشعره رقيق، سهلُ التركيب، منسجمُ الألفاظ، عذبُ النظم بلا كلفة، ومن شعره:

عَهدي به والبينُ ليس يَروعُه ... صَبٌّ براهُ نُحولُه ودموعُه

لا تطلبوا في الحبِّ ثأرَ مُتَيَّمٍ ... فالموتُ من شرعِ الغرامِ شروعُه

عن ساكنِ الوادي سَقَتْه مدامعي ... حَدَّثْ حديثًا طابَ لي مسموعُه

أفد الذي عَنَتِ الوجوهُ لحبِّهِ ... إذ حلَّ معنى الحسن فيه جميعُه

البدرُ من كَلَفٍ بهِ كَلِفٌ به ... والغصنُ من عَطْفٍ عليه خضوعُه

أَهواهُ معسولَ المراشِفِ واللَّمى ... حلُو الحديثِ ظريفُه مطبوعُه

دارتْ رحيقُ لِحاظِه، فلنا بها ... سكرٌ يجلُّ عنِ المُدامِ صنيعُه

يَجْني فاضم (١) عَتْبَهُ فإذا بَدَا ... فجمالُه مِمَّا جناهُ شفيعُه

انتهى.

قال البرزالي: كان أحدَ الأعيان إتقانًا وحِفظًا للحديث، وتفهمًا في عِلَله وأسانيده، عالمًا بصحيحه وسقيمه، مستحضرًا للسيرة، له الشعرُ الرائق، والنثرُ الفائق، وكان مُحِبًا لطلبة الحديث، ولم يخلف في مجموعه مثله، له تصانيف، منها: "السيرة النبوية" (٢)، و"شرح الترمذي".

قال الصفدي: أقمت عنده بالظاهرية قريبًا من سنتين، فكنت أراه يصلي كل صلاة مرات كثيرة، فسألته عن ذلك، فقال: خطر لي أن أصلي كل صلاة مرتين، ففعلت، ثم ثلاثًا، ففعلت، وسهل علي، ثم أربعًا ففعلت، قال: وأشك هل قال: خمسًا؟ انتهى.

قال الشوكاني: وهذا وإن كان فيه الاستكثار من الصلاة التي هي خير موضوع، وأجر مرفوع، ولكن الأولى أن يتعود النوافل بعد الفرائض على غير


(١) كذا في المطبوع.
(٢) طبعت السيرة باسم: "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، في جزأين، ص ٦٦٨، بالقاهرة ١٣٥٦ هـ.

<<  <   >  >>