ثانيها: أنه قد يكون الإشارة التي أشار بها -صلى اللَّه عليه وسلم- لرد السلام في الصلاة غير الإشارة التي يستعملها الكفار بينهم في الصورة والكيفية، فتكون إشارته -صلى اللَّه عليه وسلم- إشارة خفيفة مفهمة الرد، وأنه في الصلاة بخلاف كيفية إشارة النصارى في السلام، فإنهم أنفسهم إشارتهم في ذلك مختلفة، إذ إشارة سلام الجند غير إشارة غيرهم كما هو معلوم.
ثالثها: أن النهى قد يكون خاصا بالسلام دون الرد الواقع من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
رابعها: أنه قد يكون أحدهما ناسخًا للآخر، وهو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشار بالرد في الصلاة قبل ورود النهى عن ذلك لكلونه من التشبه بالكفار، وأقرب هذه الوجوه الأول، وعلى كل فلا تعارض أصلا، فسقط ما بنى البيهقى عليه ضعف الحديث، لا من جهة الإسناد ولا من جهة المعنى.
فكيف يلزم المجتهد أن يتبع غيره في رأيه وهو في الواقع مخطئٌ غير مصيب؟
هذا مع أن المصنف قد رمز للحديث بعلامة الضعيف إما اتباعا للبيهقى وإما لكون رأيه أداه إلى ضعفه، وعلى كل فلا تلبيس منه أصلا.
ثم قال الشارح أيضًا: ثم إن قضية صنيعه أيضًا أن هذا الحديث لم يخرجه أحد من الستة وإلا لما عدل عنه، مع أن الترمذى خرجه مع خلف يسير ولفظه عنده:"لا تشبهوا باليهود والنصارى فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع وتسليم النصارى بالأكف" قال الترمذى: غريب. . . إلخ.
قلت: فهذا حقا هو التلبيس الفاحش والإيهام المضر، فإنه أوهم أولا: أن حديث الباب مع الذي خرجه الترمذى حديث واحد، مع أنهما حديثان متغايران ذاك من حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وهذا من حديث جابر ابن عبد اللَّه.
وثانيا: فإنه ادعى أن لفظ الحديث عند الترمذى أوله "لا تشبهوا" ليوهم