قد كنت أبكى وما حنت لهم إبل ... فما أقول إذا ما حمِّل الثِّقلُ
كأننى بك نضو لا حراك له ... تدعى وأنت عن الداعين مشتغل
فغلبوك بأيديهم هناك وقد ... سارت بأحبابك المهرية الذلل
حتى إذ يئسوا من أن تجيبهم ... عضّوا عليك وقالوا قد قضى الرجل
فحركاه بأرجلهما وقالا له: هذه الرابعة فلا عفو، قال: واللَّه ما أسألكما عفوًا بعدها فافعلا ما بدا لكما، قال: فحملاه فأوقفاه بحضرة عمر بن عبد العزيز وقضا عليه قصته من أولها إلى آخرها، فأمر عمر باستنكاهه فوجد منه رائحة، فأمر بحبسه حتى أفاق، فلما كان الغد أقام عليه الحد فجلده ثمانين جلدة فلما فرغ قال له عمر: انصف من نفسك ولا تعد، قال: يا أمير المؤمنين قد ظلمتنى، قال: وكيف؟ قال: إنى عبد وقد حددتنى حدّ الأحرار فاغتم عمر، وقال: أخطأت علينا وعلى نفسك ألا أخبرتنا أنك عبد فنحدّك حد العبيد؟ فلما رأى اهتمام عمر تشدد عليه قال: لا يسؤك اللَّه يا أمير المؤمنين، يكون لى بقية هذا الحد سلفا عندك لعلى أرفع إليك مرة أخرى، فضحك عمر حتى استلقى وكان قليل الضحك، وقال لصاحب عسسه وصاحب خبره: إذا رأيتما مثل هذا الشيخ في هيئته وحلمه وأدبه فاحملا أمره على الشبهة فإن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: ادرءوا الحدود بالشبهات".
قال ابن الآبار: هذا الخبر أورده الرشاطى كما سقته في باب الحنبلى من كتابه، وهو مما نقد ابن عطية في أشباه له عليه، واعتقد جميعها فكاهات نسبها إليه بل جعلها حكايات غثَة وقال: هي لغو وسفه لا يحل أن تقرأ في جوامع المسلمين على عمارة المساجد، وحكى أن في آخر هذه من ترخيص عمر بن عبد العزيز ما لا يليق بدينه وفضله، فاحتجّ هو بأن هذه الحكاية حدّثه بها أبو على قراءةً منه عليهم، قال: ولا محاباة أنه كان خيرًا منك وأورع أيها المنتقد، فهلّا تأدّبتَ معه لكن الهوى أعماك والتمكين في الدنيا أطغاك، وقد قرأتها على