الدارقطني قال له يومًا: ما أعمى قلب ابن شاهين حمل إلى كتابه الذي صنفه في التفسير وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطا فرأيته قد نقل تفسير أبي الجارود وحرفه في الكتاب وجعله عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر وإنما هو عن أبي الجارود زياد بن المنذر.
قلت: وهذا إسراف من الدارقطني دفعه إليه ما يقع بين المتقارنين لا سيما من مثل ابن شاهين الذي يزاحم الدارقطني في الحفظ وسعة الرواية، ويربوا عليه في التأليف وكثرة المؤلفات، وإلا فمثل هذا الوهم في اسم رجل لا يستدعى أن يوصف صاحبه بالخطأ ولا بعمى القلب، وإنما يوصف بالخطأ من يكثر ذلك منه ويفحش حتى تعدم الثقة بقوله ونقله كالشارح المناوي رحمه اللَّه، ولو كان كل من يغلط مرة [أو] مرتين أو عشرة يطرح ويعد خطَّاءً لما سلم من ذلك بشر على الإطلاق، ولكان أول الخطائين الضعفاء الدارقطني نفسه، فإنه على علو كعبه في التحقيق وبلوغه الدرجة القصوى في الحفظ وإجادة المعرفة وإتقان متعلقات هذا الفن له أيضًا أخطاء تعقبها عليه من جاء بعده بل ومن عاصره، فمثل هذا إنما يحصل من المنافسة وحب لمز القرين واظهار عرته ولا مزيد، وقد قال فيه الداودي أيضًا: كان ابن شاهين شيخًا ثقة يشبه الشيوخ إلا أنه كان لحانا وكان لا يعرف من الفقه قليلًا ولا كثيرًا، وكان إذا ذكر له مذهب الفقهاء يقول: أنا محمدي المذهب، وهذه أيضًا نعرة مذهبية والا فمن يقول أنه محمدي المذهب ويكون بالغًا في حفظ السنن والآثار ما لم يحفظ ربعه مجموع الأئمة الثلاثة مالكا وأبو حنيفة والشافعي، كيف يعاب بعدم معرفة أقوالهم وهو عارف دينه من الأصل الذي يجب على كل مسلم أن يعرفه منه وهو الكتاب والسنة؟! على أن هذه حكاية لا تخلوا أيضًا من مبالغة ومنافسة فابن شاهين معدود من فقهاء الحنابلة ورجال مذهب ابن حنبل، وكيفما كان الحال فالثقة والعدالة والحفظ والإتقان للرواية شيء ومعرفة الفقه وأقوال الأئمة وآراء الناس شيء آخر، فابن شاهين حافظ ثقة يستحي من له أدنى دراية بالعلم أن يعلل به الحديث كما صنع الشارح. . . والسلام.