فكأنه يخبر عن نفسه، وعن كل من يتبعه ويرى رأيه، وكذلك العالم. وفيه وجه آخر، وذلك أن الرجل الجليل القدر، النبيه الذكر، ينوب وحده مناب جماعة، وينزل منزلة عدد كثير، في علمه أو في فضله ورأيه.
ونحو من هذا ما يروى من أن أبا سفيان بن حرب، استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحجبه، ولم يأذن له. فلما خرج الناس من عنده أذن له، فدخل وهو غضبان. فقال: يا رسول الله، ما كدت تأذن لي حتى تأذن لحجارة الجلهمتين. فقال: يا أبا سفيان. أنت كما قيل:(كل الصيد في جوف الفرا)، أي أنك وحدك تنوب مناب جماعة. والفرا: الحمار الوحشي يمد ويقصر، والأشهر فيه القصر. ومعنى قولهم:(كل الصيد في جوف الفرا): أن الحمار الوحشي أجل ما يصيده الصائد. فإذا صاده، فكأنه قد صاد جميع الصيد.
وقوله: حتى تأذن لحجارة الجلهمتين: أي ما كدت أدخل إليك حتى تدخل الحجارة. وأهل الحديث يروون الجلهمتين، بالميم وضم الهاء والجيم، وذلك غير معروف، وإنما المعروف عند أهل اللغة الجلهتان، بفتح الجيم والهاء دون ميم، وهما ناحيتا الوادي. قال لبيد.
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ... بالجلهتين ظباؤها ونعامها
ولا يستنكر أن يكونوا زادوا الميم، كما قالوا للجذع: جذعم