فجعل له حلوبة. واحتجوا بقوله تعالى (أو مسكيناً ذا متربة) أي قد لصق بالتراب من شدة حاله. واحتجوا أيضاً بأن المسكين مشتق من السكون وأنه بُني على وزن (مفعيل) مبالغة في وصفه بالسكون وعدم الحركة، أرادوا أنه قد حل محل الميت الذي لا حراك به، واحتج يونس بأن قال: قلت لأعرابي: أفقير أنت [أم مسكين] قال: لا والله، بل أنا مسكين، أراد أنه أسوأ حالاً من الفقير.
وأما الذين قالوا: إن المسكين هو الذي له السُلغة من العيش، وأن الفقير هو الذي لا شيء له، فاحتجوا بأشياء. منها قوله تعالى:(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فجعل لهم سفينة. ومنها: أن الفقير في اللغة: هو المكسور الفقار، ومن كسر فقاره، فلا حياة له، والقول الأول هو الصحيح، وما احتج به هؤلاء لا حجة فيه.
أما قوله تعالى:(أما السفينة فكانت لمساكين) فلا حجة فيه من وجهين:
أحدهما: أنه ليس في الكلام دليل بين على أنها كانت ملكاً لهم ومالاً، وممكن أن ينسبها إليهم لأنهم كانوا يخدمونها ويتولون أمرها، كما تقول: هذه الدابة لفلان السائس، فتنسبها إليه لأنه يخدمها، لا لأنها ملك له. والعرب تنسب الشيء إلى من ليس له على الحقيقة إذا كانت بينهما ملابسة ومجاورة قوله تعالى (ذلك لمن خاف مقامي) وليس