للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستطيع أن يجتهد في مثل هذه المواضع دون الرجوع إلى مقتضيات الألفاظ كما قرر ذلك الإِمام الشاطبي.

وأنتقل بعد ذلك إلى أمر آخر يبدو لنا فيه بوضوح أثر اعتبار المقاصد والعلل على إدراك الشمول والثبات.

فقد احتد الخلاف بين أتباع الظواهر وأتباع المقاصد والعلل -وهم أصحاب الرأي- وقد عرض الإِمام ابن القيم ما يقارب مائة صفحة أو تزيد لمقابلة أدلة الفريقين بعضها ببعض - ونقتصر هنا على مختصر لتلك المناظرة الطويلة نعرضها هنا لا من كلام ابن القيم بل من كلام الشاطبي فإن كلامهما في هذا الباب بعضه من بعض (١) وإليك هذه المناظرة كما يعرضها الشاطبي والتي تظهر منها حاجة المجتهد لفهم المقاصد واتباعه لها لكي يدرك شمول الشريعة في غير ما إفراط ولا تفريط.

يتحدث -رَحِمَهُ اللهُ- عن من اتبع المصالح وأعمل القياس على الإطلاق ومن خالف في ذلك بحيث أن كل واحد من الفريقين غاص به الفكر في منحى شرعي مطلق عام اطرد له في جملة الشريعة اطراداً لا يتوهم معه في الشريعة نقص ولا تقصير بل على مقتضى قوله تعالى:

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٢).

فصاحب الرأي يقول: الشريعة جاءت بمصالح العباد في العاجل والآجل ودرءت عنهم المفاسد، دل على ذلك الاستقراء (٣) فكل نص جاء مخالفاً فليس بمعتبر وقد شهدت الشريعة بما يعتبر وما لا يعتبر على وجه كلي عام، فيعمل بهذا الكلي في مقابل ذلك النص الجزئي.


(١) محل المقارنة بين ما كتباه سيكون في فصل القياس وأثره على الثبات والشمول إن شاء الله.
(٢) سورة المائدة: آية ٣.
(٣) سيأتي إجراء الاستقراء عند دراسة موضوع القياس.

<<  <   >  >>