للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والظاهري يقول: إن مصالح المكلفين تجري حسب ما أجراه الشارع لأن الشريعة جاءت للابتلاء، فإذا اتبعنا مقتضى النصوص تيقنًا من الإصابة وقد تعبدنا الشارع بذلك، وأما اتباع المعاني فرأي، ما خالف النص منه غير معتبر لأنه خاص مخالف لعام الشريعة (١).

وبعد أن عرض منهج الفريقين علق عليه بقوله: "فأصحاب الرأي جردوا المعاني فنظروا في الشريعة بها واطرحوا خصوصيات الألفاظ، والظاهرية جردوا مقتضيات الألفاظ فنظروا في الشريعة بها واطرحوا خصوصيات المعاني القياسية، ولم تتنزل واحدة من الفرقتين إلى النظر فيما نظرت فيه الأخرى بناء على كلي ما اعتمدته في فهم الشريعة" (٢).

والمنهج الوسط كفيل بمشيئة الله أن يؤدي إلى إدراك متوازن لمفهوم الثبات والشمول .. فلا يهدر المجتهد الألفاظ على حساب القياس واتباع المصالح .. ولا يهمل المقاصد ويجمد على الألفاظ، ولهذا يرى الإِمام الشاطبي أن الوقوف عند ما يريده كل فريق مؤد إلى إشكال في المسألة ويقرر وجوب الجمع بين مرادهما ليتحقق الاجتهاد بلا إشكال ولا احتمال، وذلك بأن "يخوض - الناظر - فيما خاض فيه الطرفان، ويتحقق بالمعاني الشرعية منزلة على الخصوصيات الفرعية، بحيث لا يصده التبحر في الاستبصار بطرف عن التبحر في الاستبصار بالطرف الآخر، فلا هو يجري على عموم واحد منهما دون أن يعرضه على الآخر ثم يلتفت مع ذلك إلى تنزل ما تلخص له على ما يليق في أفعال المكلفين" (٣).


(١) الموافقات ٤/ ١٥١ بتصرف بسيط في اللفظ.
(٢) الموافقات ٤/ ١٥١.
(٣) الموافقات ٤/ ١٥٢ وهذا يشمل أنواع الاجتهاد التي سبق الحديث عنها، ومن خاصية هذا المجتهد أمران:
الأول: أنه يحقق المناط الخاص، بحيث يجيب كل مكلف على حالته على الخصوص.
الثاني: أن يجيب ويعلّم ويربي وهو ملاحظ للمآلات، وهي ما يترتب على الجواب والفتوى من مصالح أو مفاسد.
ومقصد الإِمام الشاطبي أن الناظر بعد أن يبدأ في تنقيح المناط أو تخريجه ملاحظاً الجمع =

<<  <   >  >>