للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال عن هذه المنزلة -وهي الجمع بين المعاني وخصوصيات الألفاظ مميزاً لها عن الرتبة التي فيها الظاهري وصاحب الرأي- قال: "وهذه الرتبة لا خلاف في صحة الاجتهاد من صاحبها، وحاصله أنه متمكن فيها حاكم لها غير مقهور فيها ... ويسمى صاحب هذه الرتبة الرباني، والحكيم، والراسخ في العلم، والفقيه .. " (١).

وظاهر بعد هذا البيان أن من هو في هذه المرتبة من الاجتهاد محتاج إلى العلم بالعربية حتى يعرف مقتضيات الألفاظ فلا يهدرها، وإلى معرفة مقاصد الشريعة حتى يعرف مراد الشارع فلا يضيق سعة الشريعة، بل يدرك شمولها ويحققه في خصوصيات الوقائع ويحافظ على ثباتها فلا يهدر خصوصيات الألفاظ ولا يضيع مقاصدها ولايضرب بعضها ببعض فيقع في التغيير والتبديل، ولما تحقق لفقهاء الصحابة - رضوان الله عليهم - هذان الشرطان تحقق لهم بالتالي إدراك شمول الشريعة وتحقيقه في واقع الناس، وسيأتي معنا عند الحديث عن طرق الاجتهاد ومنها الحديث عن المصالح، وذلك في المسائل التي لم ينزل بخصوصها حكم معين مثل تضمين الصناع وقتل الجماعة بالواحد وجمع القرآن .. وكثير من أمثال هذه المسائل التي لم يقفوا أمامها دون نظر واجتهاد، بل نظروا في الشريعة معتبرين لمقاصدها غير مهملين لألفاظها فوجدوا ضالتهم وحققوا شمول الشريعة وحافظوا على ثباتها.

وهذا العمل استمر قائماً في الأمة في جل أزمانها .. وما تزال في حاجة إليه لمعرفة مراد الله سبحانه، وعلى من تأهل للنظر أن يكون شديد الحرص على إتقان العلم بهذين الشرطين فإن إدراكهما هو السبيل الوحيد لإِدراك شمول الشريعة في خصوصيات المسائل وثباتها في توازن واتساق.

وأضيف هنا ما أشار إليه الدكتور المرشد من أن العلم بالمقاصد معين


= بين المعاني وخصوصيات الألفاظ - أويأخذ ذلك مسلمًا ثم يبني عليه، بعد ذلك ينتقل إلى مرحلة تحقيق المناط الخاص ومراعاة مآلات الأفعال.
(١) المصدر نفسه ٤/ ١٥٢، ١٥٣.

<<  <   >  >>