للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منزلة أعظم من منزلة العقل، فمن أراد أن يحترم عقله ويحافظ على المنزلة التي منحها الله له فليتبع الشرع ويحاكم عقله إليه.

فالله سبحانه عندما خلق لإبن آدم عقله كرمه بحيث جعله محكوماً بأمر الله، وجاءت الرسل صلوات الله وسلامه عليها بهذه البديهية .. وحَكّمت الوحي على أنفسها وعقولها ودعت الناس لذلك، فإن يكن العقل من آثار الله -أي من مخلوقاته- والوحي هو كلام الله، فذلك حق وصدق.

وعلينا بعد ذلك أن ننظر لنعرف أيهما أعلى مرتبة، الوحي أم العقل، ومن الحاكم؛ وحينئذ سيكون الجواب أن الوحي أعظم مرتبة وأنه حاكم على العقل وإذا أدى العقل مهمته وهو تحاكمه إلى الوحي لن يكون هناك تعارض بته، لأن العقل المتعبد بالوحي لا يمكن أن يعارضه.

ولقد أحسن فضيلة الأستاذ الدكتور سليمان دنيا حيث قال مناقشاً للشيخ محمد عبده في تحديده لمهمة العقل: قال: "وعندي أن الشيخ محمد عبده إذا كان لم ينقص العقل حقه فهو قد جاوز به حده" (١). وهذه المجاوزة هي تقديم البرهان العقلي على النص الشرعي، فإذا وافق النص الإِلهي العقل قلنا الحمد لله، وإن خالفه النص الإِلهي، حكمنا بحكم العقل، ولا يعط النص أكثر من قوله: "إنك من عند الله" (٢). ويقول فضيلته: "ذلكم هو كل ما في الأمر، أما النصوص الإِلهية وما تنطوي عليه من آراء فأمرها دائر بين: أن تكون موافقة إلى ما تأدت إليه هذه البراهين (أي العقلية) أو أن تكون مخالفة لها، والأمر في كلتا الحالتين سهل يسير في نظر الشيخ محمد عبده، فإنها إن كانت موافقة، فقد كفى الله المؤمنين القتال، وإن كانت مخالفة فلا قتال أيضاً، لأنه يكتفي بأن يقول آمنت بما جاءت به إلى جانب الإِيمان بما تأدت إليه البراهين" (٣) وينكر عليه الدكتور سليمان دنيا هذا التناقض فيما زعمه من الإِيمان بما أدت إليه البراهين


(١) الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين: المقدمة ٩.
(٢) الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين: المقدمة ٥٨.
(٣) المصدر نفسه: المقدمة ٥٩.

<<  <   >  >>