وبعد الحديث عن حكم الاجتهاد وحكمته وأنواعه وأهم شروطه وضوابطه وبيان أثر ذلك على ثبات الأحكام وشمولها يتبين لنا أنه لا يمكن أن يتحقق شمول في عالم الناس بغير اجتهاد، كما أنه لا يمكن أن يتحقق ثبات واستقرار للأحكام بدون ضوابط لهذا الاجتهاد، وعليه فإن الذي يجب المصير إليه هو القول بأن الاجتهاد فريضة محكمة وسنة متبعة وهو ممكن -من حيث تحقق الملكة والبناء على ما ورثه لنا العلماء المعتبرون في علم الشريعة وعلم العربية، وإن تعذر جمع الأدلة الشرعية جملة لم يتعذر على المخلصين من أهل العلم جمع الأدلة المطلوبة في المسألة التي يراد بيان حكم الله فيها، وإن لم يتمكن أحدهم من ذلك لم تعجز طائفة منهم عن جمعها ومعرفة مقاصد الشارع منها، وليس وراء ذلك إلا القول بتعطيل أحكام الشريعة وإيقاف الاستنباط وهذه جهالة لا يرتضيها لنفسه عاقل.
ولكي لا يقال أن هناك أدعياء كثيرين للاجتهاد -نقول أن الاجتهاد لا بد له من الملكة، ولا يقبل من كل أحد الدخول فيه ما لم تتوفر له، وعلى طلبة العلم أن يبذلوا ما يستطيعون -ولا يدخرون من وسعهم شيئًا لعل الله أن يجعل منهم في مستقبل الأيام من تتحقق فيهم الملكة فيكونون هم الصف الثاني الذي يقوم بهذه المهمة، ومن العلماء المخلصين اليوم من تحققت فيه الملكة فهؤلاء هم أهل الاجتهاد اليوم، أما نحن طلبة العلم فعلينا بذل الجهد وتكفينا المتابعة لأئمة الصحابة والتابعين ومن يتبعهم بإحسان، وفيما ورثوه من العلم كفاية لمن أراد أن يقوم بمهمة التعليم والبيان والدعوة إلى الله، وليختص أهل الاجتهاد بالنظر في المسائل الجديدة، وأيضًا فإن الاجتهاد له ضوابطه التي تفرق بين الصحيح منه والفاسد وتميز بين الذين يتبعون الحق والذين يقعون في آثار المسالك الفاسدة.
ومسيرة الاجتهاد كمسيرة الجهاد والدعوة تحتاج من الصادقين إلى حراسة ولا يمكن أن تُعطل المسيرة لأن أناسًا يخاف من شرهم عليها، فإن هذه المشكلة علاجها معلوم وهو اليقظة التامة لحفظ المسيرة وحراستها من المسالك الفاسدة والآراء الشاذة وكشف زيف المبطلين والمنحرفين وهذا ممكن والحمد لله، ولا تزال طائفة قائمة بالحق، فلتستمر إذًا عملية الاجتهاد، ولتستمر عملية الحراسة وليقم