فإذاً الحد الذي أوقفه عمر - رضي الله عنه - إنما أوقفه لعدم تحقق شروطه التي اشترطها الشارع، بل إن عمر لا يستطيع أن ينفِّذ الحد الذي لم تحقق شروط تنفيذه لأن في ذلك مخالفة للشارع.
فالعموم في آية السرقة لا يصلح وحده لتطبيق الحد بل هناك شروط وردت في السنّة لا بد من اعتبارها، ومن اعتبرها -كما هو صنيع عمر- لا يقال له أنه خالف الآية.
وأيضاً فإن عدم القطع ليس سببه تعلق عمر بمطلق مصلحة أو دفع مطلق مفسدة أو اتباعاً لحكم العقل، بل سببه مراعاة نصوص أخرى وردت في السنّة.
وأما قول صاحب تعليل الأحكام "لو كانت الأحكام كلها ومنها الحدود يتبع فيها النص المجرد لما ساغ له - رضي الله عنه -، وهو من أعلم خلق الله بشرع الله أن يخالف قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ومن أجل هذا المعنى نهى عن القطع عام المجاعة مع أن النص عام شامل لجميع الأوقات"(١).
فيلاحظ عليه أمران:
الأول: إن كان مقصوده بالنص المجرد النص بدون النظر إلى معناه، فليس ما نحن فيه من هذا القبيل، ذلك لأن النصوص التي وردت في حد السرقة منها ما هو عام كالآية ومنها ما هو مخصص لهذا العموم.
فإذا كانت الآية توجب قطع كل سارق سواء سرق من حرز أو من غير حرز أو سرق نصاباً أو دونه أو تحققت شبهة بسبب ملك أو مجاعة، فإن السنة خصصت هذا العموم فلا يقطع إلّا من سرق نصاباً من حرز مثله بلا شبهة.
فتبين بعدئذ أن النص الوارد في القرآن مخصوص لم يأت لجميع الأوقات بل يستثني منه وقت المجاعة لورود نص آخر يمنع القطع عند تحقق الشبهة.
فيصح أن يقال أن تطبيق الحدود يُتبع فيها النصوص بعد الجمع بينها