حال المسلمين في وقت ما، هل يمكنهم تخيير أعدائهم وقتالهم إذا لم يستجيبوا أم لا يمكنهم ذلك؟ فإن أمكنهم لزمهم الحكم الأول، وإن لم يمكنهم لزمهم الثاني مع وجوب الاعتقاد أن الكفار هم أعداء الله ورسوله والمؤمنين، يجب تخييرهم بين تلك الخصال الثلاثة عند القدرة على ذلك.
فإذا عمل المسلمون بالحكم الثاني باعتبار الحالة الثانية فهل يقال إن عملهم هذا هو إجماع على وجوب الصلح مع الكافرين، فإذا جاء وقت آخر وأمكنهم قتال أعدائهم قيل أنهم تركوا الحكم المجمع عليه لمصلحة، ثم يقال بعد ذلك أن حكم الإِجماع - الذي هو الدليل الشرعي - قد تغير وتبدل.
والحق أن عمل المسلمين في عقد الصلح في الحالة الثانية تحقيق لمناط الحكم الشرعي الثابت، وأن جهادهم لأعدائهم في الحالة الأولى تحقيق لمناط الحكم الشرعي الثابت، ولا يعتبر اتفاقهم على تحقيق المناط في الأولى والثانية إجماعًا على حكم شرعي، نُسخ به حكم شرعي آخر.
فخرجت هذه المسألة عن أن تكون تطبيقًا للقول بأن حكم الإِجماع الذي يكون سنده المصلحة يتغير بتبدل تلك المصلحة.
٣ - إن الإِجماع على الصلاة في رمضان على إمام واحد قد تغير بعد ذلك، فصلى الناس وراء أئمة متعددين، وهذا يدل على أن حكم الإِجماع قد يتغير بتغير المصلحة التي بني عليها (١).
والجواب: بنفي ثبوت الإِجماع، فإنه قد صح أن عمر - رضي الله عنه - قد جمع الناس في الصلاة في رمضان على إمام واحد فكانت سنّة يعمل بها المسلمون من بعده، وهي كذلك، ولكن أين الدليل على أن الناس كانوا يصلون على إمام واحد، ومن المعلوم أن جمع عمر للناس إنما كان في المدينة، وأهل القرى والمدن الأخرى كانوا يصلون خلف أئمة آخرين، أفليس في ذلك دليلًا على أن الصلاة تجوز خلف أئمة متعددين إذا اقتضى الأمر ذلك، وهذا في الوقت الذي يقال فيه