للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الإِجماع انعقد على الصلاة خلف إمام واحد، ثم ما الفرق بين الصلاة خلف أكثر من إمام في مدينة صغيرة حولها قرى كثيرة وبين الصلاة خلف أئمة متعددين في مدينة كبيرة.

ومن المعلوم أن الناس لم يكونوا يجتمعون كلهم من المدينة ومن حولها للصلاة خلف إمام واحد في عهد عمر - رضي الله عنه -، غاية ما فعله عمر - رضي الله عنه - أنه جمعهم على إمام واحد بعد أن كان هناك أكثر من إمام في مسجد واحد، وهو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فأين الإِجماع على الصلاة خلف إمام واحد حتى يقال أن ذلك قد تغير فأصبح الناس يصلون خلف أئمة متعددين.

نعم لو أجمع المجتهدون على جواز الصلاة خلف أكثر من إمام في مسجد واحد صح أن يقال أن هذا مخالف لما أجمع عليه المسلمون، ولكن ذلك لم يحدث قطعًا.

والحاصل أن هذه التطبيقات وما ماثلها لا تصلح قاعدة لدعوى النسخ (١) ولايخالف بها ما اتفق المجتهدون عليه، وغاية ما يقال فيها أنها إما تطبيق وهو ما يسميه الأصوليون بتحقيق المناط وإما أن المسألة لا إجماع فيها أصلًا.

وهي مماثلة لما زعمه بعض الباحثين (٢) من أن الصحابة غيروا بعض الأحكام التي وردت بها النصوص مثل "سهم المؤلفة قلوبهم" ونحو ذلك من الأمثلة التي بينت أنها من تحقيق المناط وليست تغييرًا ولا تبديلًا.


(١) وقد صرح د. البوطي بعد أن ذكر أن الإِجماع لا يُنسخ واستثنى حكم الإِجماع الذي يكون سنده المصلحة وقال: "ومن ناحية أخَرى فالتصرف بمقتضى تبدل المصلحة المعتبرة في الشرع لا يسمى في الحقيقة نسخًا كما ذكرنا، كيف وإن الشارع قد شرع من أول الأمر الأخذ بأي وجه من الوجوه (يقصد في حكم الأسرى (قد تجنح إليه مصلحة المسلمين فلئن ظهر التنفيذ من الحاكم أو المجتهد بمظهر الجديد فإن أصل التشريع له سابق وقديم" ٦٤.
(٢) انظر تعليل الأحكام ٣٢٦.

<<  <   >  >>