- إما أن تكون هذه المعاني قامت بقلبه على وجه الكمال، فلا بد أن يظهر أثر ذلك على الجوارح بفعل الفرائض واجتناب المحرمات.
- وإما أن تقوم بقلبه على ضَعْفٍ، فيكون أثر ذلك على جوارحه بحسب ذلك، ومنه يحصل الخلل.
واعتَبِر هذا في حديث الشفاعة:«أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ قالَ: لا إله إلا اللَّه وفي قَلبِهِ مِثقَالُ ذَرَّةٍ -أو بُرَّةٍ أو خَرْدَلَةٍ- من إِيمانٍ»(١)، فهذا الذي يَخرج من النَّار لا شك أنه لم يقل هذه الكلمة كَذِباً، ولم يقلها غير عالِمٍ بمعناها مطلقاً، ولم يقلها نِفَاقاً، بل كان فيها مخلِصاً، لكنَّ الذي معه من العلم بمعناها، والإخلاص في قولها، والمحبة لها، لم يبلغ به المرتبة التي بلغها أهلُ الإيمان الكامل الذين نجاهم اللَّه بكمال إيمانهم وتوحيدهم من النار، فلم يتعرضوا للعذاب.
فلا بد من ملاحظة هذا المعنى، وأنَّ هذه المعاني التي يَعُدُّها العلماءُ شروطاً هي متحقِّقة لكلِّ أهلِ التوحيد الذين ينفعهم توحيدهم في الخروج من النَّارِ، إلا أنهم متفاوتون في تحقيق هذه المعاني، فالكُمَّل منهم يكون توحيدهم مانعاً لهم من دخول النار مطلقاً.
إذاً فقوله ﷺ:«إن اللَّه حَرَّمَ على النَّار من قال: لا إله إلا اللَّه، يبتغي بذلك وجه اللَّه» معناه: مَنْ قالها على الوجه الأكمل، وقد تحققت فيه شروط التوحيد المأخوذة من سائر النصوص، وقد عقد الشيخ محمد
(١) أخرجه البخاري في مواضع منها: رقم (٤٤)، ومسلم رقم (١٩٠) من حديث أنسٍ ﵁ بنحوه.