فقوله:«يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّه»، هذا هو معنى الإخلاص، فالقيدُ إذاً موجودٌ في نفس السِّياق، وكذلك هذه القيود التي أشار إليها المؤلِّف هي موجودةٌ في هذه الأحاديث، بعضُها صريحٌ، وبعضُها مفهومٌ من السياق.
ففي قوله ﷺ مثلاً:«مَنْ شَهِدَ أن لا إله إلا اللَّه … » الحديث؛ فلفظ «الشهادة» يتضمن: العلم، واليقين، والصدق.
فمن قال:«لا إله إلا اللَّه» بلسانه دون قلبه، لم يشهد حقيقةً، ومَن عَلِمَ معناها وقالها بلسانه لكنَّه غيرُ صادقٍ في قوله لها، بل قالها نفاقاً ومداهنةً، لم يكن قوله لها عن قبولٍ وانقيادٍ، ولم يكن أيضاً بهذا مخلصاً، وفي الحديث:«يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّه»، فما قالها على هذه الحال إلا وهو موقنٌ غير شاكٍّ، ومَن كان هذا حاله فمن شأنه أن يَذِلَّ بها لسانُه، ويَلهَجَ بها حُبّاً لها، وطمأنينةً قلبِيَّةً لما دَلَّت عليه هذه الكلمة العظيمة.
فمن قالها على هذا الوجه -على وجه العلم واليقين بشروطها التي سبق ذكرها- فإن التوحيد يمنعه من الإصرار على الذنوب، مِنْ ترك واجبٍ، أو فعل محرَّمٍ، فمن قال:«لا إله إلا اللَّه» على وجه اليقين التامِّ والصدق، والإخلاص التام والطمأنينة، لا بد أن يؤدِّي الفرائض ويجتنب المحارم، ومتى قَصَّر في شيءٍ من ذلك، فإنما أُتِيَ من نقص عِلْمِهِ، ونقص يقينه، ونقص إخلاصه، ونقص محبَّته؛ فإنَّ هذه المعاني من شُعَبِ الإيمان، وهي تتفاضل بالقوة والضعف.
فمن قال:«لا إله إلا اللَّه» صادقاً غير منافق، عالماً غير جاهلٍ، وقامت به هذه الشروط، له حالات: