للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرقبة، ثم فبشره بما قاله، لكان في ذلك دليل على عظم أجر العتق، فكيف إذا نصر عليه، لأن الإعانة في ثمن الرقبة التي تشترى للعتق، إذا كانت توجب الجنة، واقتصر على أمره بفك الرقبة التي وجب أن يكون العتق نفسه إنجابها أقرب والله أعلم.

ثم جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعتق نسمة عتق الله بكل عضو منه عضوًا منه من النار). وهذا أبلغ ما يكون من الترغيب في العتق. وعنه أنه قال: (يا معاذ، ما خلق الله على وجه الأرض أحب إليه من العتاق، ولا أبغض إليه من الطلاق). ثم إن إدخال الله تعالى العتق في جملة الكفارات يدل على رفعة قدره لأن الكفارات هي التي تزيل العقوبة توجهها على المجرم، ولن يتسع لذلك إلا ما صار للجريمة وخالفها، كما أنه لا يتسع لإزالة النجس والقذر إلا ما صار وخالفه، فكان أبلغ الأشياء طهارة وأكملها نظافة.

فلما كان العتق يعفي على آثار جنايات مغلظة، علمنا أنه في معاني القربة غليظ الأجر، عظيم القدر. ثم إن الله عز وجل جعله فدية للنفس إذا قتلت بغير حق، فكان ما عطل بقتلها من حق العبادة التي كان لله تعالى فيها، وكان خلقه إياه لها، وقبله تبارك وتعالى فدية لحرمة الشهر إذا انتهكها الصائم بالمباشرة فيه. فزاد ذلك بيانًا لفخامة قدره وعلو شأنه وأمره والله أعلم.

ووجه القربة فيه- والله أعلم- إن العبد كسيده نفسًا وأوصافًا، إلا أن بعض أحكامه غير أحكام سيده، فقد ملكه الله تعالى إياه، وجعله تحت يده، وقصر قدره عن قدر سيده، فلم يتسع الملك المال، واعتزل لذلك عن طريق الزكاة والحج والجهاد والجمعة التي هي أركان الإسلام، وإذا أعتقه سيده يضمن ذلك معاني:

فمنها: إنه يعرف له حق المجانسة والمشاكلة، وذلك كمعرفة حق القرابة والمجاورة، فيرضى له ما هو ثابت له في نفسه من الجزية وانبساط المقدرة، فيجري ذلك مجرى الصدقة على القريب والجار البصير التي مثل حاله من الوجد والسعة والغناء والشرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>