المقلد من يدين ما يدين لأنه دين آبائه وقرابته وعشيرته وأهل بلده ومشايخ قومه وليس عنده وراء ذلك حجة يأوي إليها، وإذا سئل عما يدعوه إلى اختيار ما هو فيه على خلافه، ضجر واختلط ولم يكن عنده إلا أن يقول: ديني ودين آبائي وعليه وجدت الشيوخ وهو الطريق المستقيم، ومن خالف هذا لم يكلم إلا بالسيف.
والمرتاب من يقول: اعتقدت الإسلام وتألفت أهله احتياطا لنفسي، فإن يكن حقا وكان بعد الموت بعث وحساب وجنة ونار، فقد فزت وأفلحت، وإن لم يكن من ذلك شيء لم يضرني، وكنت في حرثي محمودا آمنا في نفسي وأهلي ومالي، وواحد من هذين- أعني المقلد والمرتاب- ليس بمسلم. أما المقلد فلأنه أراد بدينه موافقة قوم، وإنما ينبغي أن يراد بالدين إقامة الحق وأداء الواجب وليس يعرف الحق حقا ولا الواجب واجبا بقول الآباء والعشائر وشيوخ البلد. فإن المبطلين لهم آباء كآباء المحقين وعشائر كعشائرهم، وشيوخ كشيوخهم، فمن عرف الحق حقا والواجب واجبا من مثل هذا الوجه فلم يعرفه الحقيقة، واعتقاد الدين من غير معرفة بحصته لا يصح والله أعلم.
وأما المرتاب فلا اعتقاد له لأنه شاك لا يدري الإسلام وما يقوله المسلمون حق أو غير حق. والاعتقاد توطين النفس على أحد، فيسمى المنقسم أو أقسامه إذا كانت متباينة بإثباته ونفي ما سواه. فإذا كان الإسلام هو الاعتقاد، والاعتقاد ما وصفت وهو غير موجود من المرتاب، ثبت أنه ليس بمسلم. وأيضا فإن ما ضاد العلم بالله ضاد الإيمان به، والشك فيه مضاد للعلم به، كما الجهل به مضاد له. فلما استحال وجود الإيمان به مع جحده والجهل به استحال وجوده مع الشك فيه والارتياب به والله أعلم.
فإن سأل سائل عن المؤمن: هل يكون مقلدا؟ أو يصح إيمانه؟ ومن هو؟ ومن المؤمن غير المقلد؟