قيل له: أما المؤمن غير المقلد فرجلان: أحدهما الذي عرف الله تعالى جده بالدلائل والحجج الدالة على صدقه، ثم اعترف بالله ورسوله، فقبل عن رسوله جميع ما جاء به من عنده، وأسلم نفسه لله بالطاعة فيما أمره به ونهاه عنه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
والآخر: من يؤمن بالله إجابة لدعوة نبيه بعد قيام الحجة على نبوته، وهذا فضل يضطرب فيه كثير من الناس ويقولون: كيف يعرف رسول الله من لا يعرف الله، وكيف تثبت نبوة واحد عند من لا يعرف بالباري جل جلاله حتى إذا ثبت إجاب دعوته، ولكن الأمر ليس على ما ظنه هؤلاء، وسنبين ذلك بيانا شافيا بإذن الله تعالى فنقول- وبالله التوفيق-:
قد علمنا أن الله تبارك وتعالى، بعث الرسل إلى أن ختمهم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إلى طبقات الكفار مع اختلاف آرائهم وتشتت مذاهبهم، فما أحد منهم آمن إلا وثبت إيمانه ومن السنن الذي يخفى أن لقائل الذين آمنوا لم يكونوا كلهم يكلمون الاستدلال على الباري جل ثناؤه ووحدانيته، ولا إن كان منهم من يستدل ثم يؤمن بل كانوا يجتنبون لما يرونه من معجزات الأنبياء صلوات الله عليه، ويكتفون بها ولا يطلبون معها دلالة سواها، وكان أسبقهم إيمانا وأعجبهم إسلاما خيرهم وأحقهم بالتقديم وأفضلهم.
فثبت بذلك أن الإيمان بالله إذا وقع إجابة لدعوة من قد ثبتت نبوته، كان صحيحا، سواء كان المؤمن من أهل الاستدلال بوجه آخر ولم يكن تم بنظر. فإن كان المؤمن قبل أن آمن يثبت الله تعالى، إلا أنه ملحد في أسمائه وصفاته كان إيمانه الحادث تركا لذلك الإلحاد لما يقوله النبي ويدعوه إليه. وإن كان قبل ذلك لا يدين دينا.
ويروى أن لا صانع للعالم فإنه لم يزل على ما هو عليه الآن، فوجه إيمانه بالله لدعوة نبيه هو أن النبي ذكر أن للعالم إلها واحدا لم يزل ولا يزال، لا يسبه شيئا، قادرا لا يعجزه شيء، عالما حكيما، كان ولا شيء غيره، فأبدع كل موجود سواه، واخترعه اختراعا لا من أصل، وأنه أرسله إلى الناس ليعرفه إليهم، وينبههم على آثار خلقه التي يرونها ويعلقون عنها، ويدعوهم إلى طاعته وعبادته، وأن دلالته على صدقه هي ما أمده من كذا مما لا يستطيع الناس وإن تظاهروا أن يأتوا بمثله، وإنه إذا كان واحد من الناس تجمعه وإياهم البشرية ثم تجمعه وأهل بلده الهواء والأرض والماء، وكان ما عدا هذا الذي يذكر أنه أمد به ليكون دلالة على صدقه، لا يباين فيه أحدا من الناس، ويحتاج إلى الطعام