وهو باب في مقاربة أهل الدين وموادتهم وإفشاء السلام
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام). وقوله صلى الله عليه وسلم (أفشوا السلام) يحتمل معنيين: أحدهما أظهروه ولا تسره لأنه من آداب الدين وتمائم أدبه الإكرام والتحية، فإذا لم يكن في أسراره عرض صحيح فالجهد والإعلان أولى به وأشبه. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(ما حسدتنا اليهود على شيء كما حسدتنا على السلام والتأمين). وفي هذا دليل على أن السلام كان يغش في ذلك الوقت، ولذلك حسدت اليهود عليه لما سمعته ولشدة غيظهم، كادت نفوسهم لا تسمح للنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا عله فكانوا يعدلون عنه إلى ما توهمه ولا يكون به. فينبغي للمسلمين أن يخالفوهم بالثبات عليه، وإعلانه وإفشائه، ليكتوا بحسدهم ويموتوا بغيظهم إن شاء الله تعالى.
والمعنى الآخر أن لا يخص المسلم بسلامه واحدًا من جماعة يمر بهم، أو يدخل عليهم لمعرفة أو قرابة أو جوار، أو سببًا ما كان. ولكنه يسلم على الجميع وهذا من قولهم للحديث السابع المستفيض، هذا فاشي في الناس مكانه، قال: (أفشوا السلام وذروا فيه الخصوص إلى العموم. وهذا- والله أعلم- لأن الواحد من الجماعة إن كان بينه وبين المسلم سبب خاص فإن بينهم وبين من السبب العام ما هو أعظم وأرفع قدرًا وألزم حقًا من ذلك السبب الخاص، وهو اتفاق الدين. فإذا سلم على الواحد لما بينه وبينه من السبب، وجب أن يسلم على الجميع لما بينه وبينهم مما هو أعظم من ذلك السبب والله أعلم.