للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم السابع

باب القول فيمن يصح إيمانه ولا يصح

أجمع المسلمون على أن البالغ العاقل من الكفار إذا أسلم طائعا صح إسلامه. وأجمعوا على أن الطفل إذا لقن شهادة الحق فقالها متلقنا وهو لا يميزها ولا يعرف ما يراد بها لم يكن ذلك منه إسلاما.

فأما المراهق الذي يدري ويميز ويعرف من كلمة الإخلاص لفظها وتفسيرها أو يعلم في الجملة أنها شهادة الحق، فقد اختلفوا فيه: إذا تكلم بها مريدا للإسلام فكان أشبه قول المختلفين عندنا أن إسلامه لا يصلح لأنه غير مخاطب في كتاب ولا سنة، فكان كالمعتوه لأن الإسلام شهادة أو إقرار والصبي ليس من أهل واحد منهما، فثبت انه ليس من أهل الإسلام بنفسه، ولأنه لو أسلم أبواه وأمه صار مسلما بإسلامه، ومن ثبت له ذلك الإسلام بغيره لا يثبت له بنفسه كالطفل الصغير إذا لقن والمعتوه، ولأنه لم يسلم لم تجب النار عليه ما لم يكفر وهو بالغ. فدل على أنه لا يصح إسلامه بنفسه كالطفل لأنه ليس عليه جهاد المشركين في ماله لصغره، فدل ذلك على أن الإسلام له بنفسه كالطفل، ولأن عقد الإسلام عقد لازم، والصبي ليس من أهل العقود اللازمة بنفسه كالبيع والنكاح والطلاق. ولأن الإسلام ضمان، وضمان الصبي لا يصح كما لو ضمن دين رجل، ولأن ردته ليست بردة، فكذلك إسلامه ليس بإسلام.

والدليل على أن ردته ليست بردة أنه لا يعاقب عقوبة المرتدين وهو صغير، وكل قول لم يؤخذ الصبي بعقوبته لصغره، فإن ذلك القول موضوع عنه أصلا وهو في حكم الساكت عنه كالقذف. وإذا كان كذلك ثبت أن ردته موضوعة عنه، ولان من لا ردة له لا إسلام له كالمجنون. ولأن الموجب لكفره كفر ولييه وكافليه، أعني أبويه، وإسلامه لا يزيل كفرهما. فاستحال أن لا يثبت له الإسلام، فإن الحكم لا يرتفع مع بقاء علته.

<<  <  ج: ص:  >  >>