روي عن قوم من السلف أنهم كانوا إذا سئلوا عن إيمانهم يقول: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولا يقول: أنا مؤمن. وروي عن آخرين أنهم كانوا يقطعون بأنهم: قد آمنوا. وذهب قوم من المتأخرين إلى أن يستثنوا، فيقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله، وإذا سئل عن معنى استثنائه قال: لاشك في أن آمنت، ولكن لا أدري ما الذي يختم به لي، فإذا كان في علم الله أني أفارق الدنيا متمسكا بما أنا عليه الآن، فله الحمد، وإن لم يكن للأخرى فإن الإيمان الذي أنا عليه الآن يحبط ويصير كان لم يكن فإنما استثنى، فإني لا أعلم أيسلم إيماني أو لا يسلم، فأما اعتقاد الحق والاعتراف به فلست أشك في أنهما قد كانا مني، وأني متمسك به الآن.
ومنهم من يقول: لا أريد بالاستثناء حالتي التي أنا فيها، وإنما أريد المستقبل. فأقول أنا مؤمن في المستقبل إن شاء الله كما أني الآن مؤمن حقا، وكنت بالأمس حقا بلا شك ولا ارتياب.
وهذا الكلام وإن كان ذا وجه يوجه فليس جوابا لمن يسأل. فيقال له: هل أنت مؤمن، لأن هذا السؤال يقع على الحال، وإذا لم يجب عنها شيء، فأفرد بالخبر عنه المستقبل لم يكن مجيبا، وكان مبدأ كلام من غير ما وقع السؤال عنه. فأما من روي عنه أن كان يرى أن يقول: أنا مؤمن، فأولهم وصدرهم عبد الله بن مسعود.
روى إبراهيم بن علقمة قال كنا مع عبد الله بن سعد فلقينا قوما فسلموا. فقلنا: من القوم؟ قالوا: نحن المؤمنون! قال: فلم نجبهم شيئا ولم ندر ما نرد عليهم، حتى لقينا عبد الله، فأخبرناه بما قالوا، فقال: ما رددتم عليهم؟ فقلنا: لم نرد عليهم شيئا. قال: قولا، قلتم أمن أهل الجنة أنتم؟ إن المؤمنين من أهل الجنة.
وقال أبو وائل كان عبد الله يقول: من شهد أنه مؤمن، فليشهد أنه في الجنة.