للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثامن والخمسون من شعب الإيمان

وهو باب في الإحسان إلى المماليك

قال الله عز وجل: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم}. وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان آخر ما يتكلم به الصلاة وما ملكت أيمانكم، فجعل يتكلم وما يفيض به لسانه.

وروى أنه كان يقول: (الصلاة، الصلاة، اقتوا الله وما ملكت أيمانكم) فأوصى الله تعالى عباده، ثم الرسول صلى الله عليه وسلم آمنه. فالمماليك كالأوصياء بالوالدين والجيران وكالأوصياء بالصلاة. فدل ذلك على وجوب الإحسان إليهم، وتحريم التحامل بالجور عليهم، فأول ذلك أن لا يقول أحد لذكر منهم عبدي، بل يقول: فتاي. ولا يقول للأنثى: أمتي بل يقول: فتاتي. بهذا جاء الخبر أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا يجمع معنيين: أحدهما أن العبودة بالحقيقة لله عز وجل، ففي قول الواحد من الناس لمملوكه عبدي وأمتي تعظيمًا عليه، وإضافة له إلى نفسه بما أضافه الله تعالى به إليه، وذلك غير جائز. والآخر أن المملوك ربما دخله من أن يقول له مثله، هذا عبدي فيستذله ويستصغره بما يجد بدًا عنه، ولا يجدي على قائله شيئا. ولعل ذلك ما ينفره عنه. فيحمله على أباق وسوء طاعة أو غير ذلك، مما قد ابتلى الناس به من مماليكهم إذا كرهوهم، فكان الأولى بالسادة أن يتجنبوا ذلك إلى ما هو أحسن، ومن معاني التعبير أبعد وإلى التآنس والتسكين أقرب، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>