وإنما بتدبير غيره. ولو شاء أن يقلب القضاء فيحول الحسن إلى صاحبه والسوء إليه لفعل ولم يمنعه عنه مانع. قال الله عز وجل:{واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل، وجعلنا بينهما زرعًا} إلى آخر القصة. فأبان عز وجل في هذه القصة بهذا المثل الذي ضربه أنه لا يرضى من عبده بالبدع والاحتيال والتعظيم بما أتاه على لم يؤته مثله، فإن من عقوبة من فعل ذلك عنده أن يسلبه النعمة، ورده إلى الحال السيئة وإن سيئته كانت في الذين استضعفوا أنبياءه عليهم السلام لقلة أموالهم وأتباعهم وأروه من خلاف ذلك لأنفسهم، وتكبروا عن الإصغاء إلى آيات الله عز وجل، وأعرضوا عنهم، ولم يتأملوا ما جاء برأيه، ولم يتدبروه، إن جزاءهم بذلك التكبر الطبع على قلوبهم وإحلال العقوبة بهم على ما كان يليق بأحوالهم.
كما قال عز وجل:{فكلا أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصبًا، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا}. فدل ذلك على أن إحدى الخصال بأن يكون مذمومًا وصاحبه عليه ملومًا، هو العجب والكبر والزهو والصلف. كان إذا غلب على القلب وتسلط على النفس وبلغ بصاحبه، فعرض عن آيات الله فلا يسمعها، وعن أوامره ونواهيه فلا يقبلها. وما كان مؤديًا إلى هذا الفساد، فالكف عنه وردع النفس بما يدعوه إليه منه من أوجب الأمر وألزم الفروض، وبالله التوفيق.
هذا وقد علم أن الناس لابد لبعضهم من بعض، من فظ وزهاء وتكبر، وغناء، لم يستطع كل واحد أن يقاربه أو يكلمه، لأن تعاطيه وغلطته تنفر عنه، ويبقى ما يكون في النفس من حاجة إليه غير معصية، وفي ذلك على صاحبه ضرر، واللين بالرفق به وآمنه كل أحد ويطمع في خيره من قرب أو بعيد تقضي به الحاجات، وتزاح به العلل، وتكفي المهمات وفي ذلك خير ونفع. والفظ مانع إخوانه حظوظهم منه. والسمح أذلها لها وموفرها عليهم. وسيان ما يمانع الخير وما ذله والآتي للخير والعافي به، وبالله التوفيق.