وهو باب في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره ... وهذه منزلة فوق المحبة لأنه ليس كل محب معظمًا، إلا ترى أن الوالد يحب ولده فيجمع له بين التكريم والتعظيم، والسيد قد يحب مماليكه ولكن لا يعظمهم، والمماليك يحبون ساداتهم ويعظمونهم، فعلمنا بذلك أن التعظيم رتبة فوق المحبة، والداعي إلى المحبة ما يقتضي على المحب من المحبة من الخيرات، والداعي إلى التعظيم ما يحب للمعظم في نفسه من الصفات العلية، ويتعلق بها، من حاجات المعظم الذي لا قضاء لها إلا عنده. ويلزمه من منبه التي لا قوام له بشكرها. وإن جد واجتهد، وصار ما قلت إن المماليك يحب مماليكم لمعرفتهم بانبساط أيديهم عليهم وخاصتهم في مطاعمهم ومشاربهم وملابسهم ومساكنهم إليهم، وعلمهم بما في لزوم موتهم ساداتهم من الرفق والفائدة لهم ويتجاوز جاههم معهم لما وصف من المحبة إلى التعظيم، وهكذا الوالد يحب ولده، لأنه سلالة منه، وإليه ينسب، وله جمال وقوة وكثرة، فلا يتجاوز أمره معه عن الحب والتكريم إلى التهيب والتعظيم، والولد يحب والده لمعنى فيه بأنه كان سبب كونه ووجوده، والقائم بتربيته وصيانته عن المهالك لموته، والمزيح لهلكه إلى أن بلغ حد الرجال، وعلمه بأنه له، وإليه ينسب، كما يدعي العبد لسيده، والمعتق إلى معتقه، فيتجاوز حاله معه عن التكريم إلى التعظيم، لأنه إذا نقله علم إن هذه حقوق لا سبيل له إلى شكرها وإن نفسه بر بهيبته.
وإذا كان هذا هكذا، فما بين العبد وسيده، والوالد وولده، فمعلوم أن حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل وأعظم وألزم لنا وأوجب علينا، من حقوق السادات على مماليكهم والإماء على أولادهم، لأن الله تعالى، أنقذنا من النار في الآخرة وعظم به أرواحنا وأبداننا وإعراضنا وأموالنا وأهلنا وأولادنا في العاجلة.