قال الله عز وجل:} إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها {. وقال:} فإذا أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته {.
وقال عز وجل:} إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا {.
ومعنى ذلك- والله أعلم- الدلالة على فضل العقل والحياة وشرفهما، وأمانة الإنسان إنما صار صالحا للتكليف بسببهما، وأن السموات والأرض والجبال، وإن كانت أعظم جثة وأشد قوة منه، لما كانت خالية عن الحياة والعقل لم تصلح للتكليف والتعبد. فقال عز وجل} إنا عرضنا الأمانة {يعني تعريض العمل على شرط الثواب والعقاب. أي قابلنا باب التعبد أمره ونهيه بحال السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها. أي فلم يجد فيها محملا له.} وأشفقن منها {أي وكن أضعف من ذلك وأبعد من الصلاح، لأجل أنه لا حياة لهن، ولا عقل فيهن، وما خلا عن الحياة والعقل خلا عن الاختيار، ولم يمكن وجود الفعل منه إلا يسيرا، والسحر لا يليق به الثواب، ولا يمكن وجود الخلاف فيه، فيستحق العقاب، فكان قوله تعالى:} فأبين وأشفقن {كقوله إلى الجدار يريد أن ينفض فأقامه، أي كان دنا من الانقضاض وأشرف عليه. وكقوله عز وجل:} ثم استوى إلى السماء وهي دخان، فقال لها وللأرض اثنيا طوعا أو كرها، قالتا أتينا طائعين}.